على هامش إغلاق صحيفة الصريح، يفترض، من حيث المبدأ، أن نصاب بالحزن والخوف. نظريا: كل صحيفة تغلق هي إغلاق لوجهة نظر، لنافذة على عالم يحتاج إلى تعدد النوافذ،
لكن جريدة الصريح لم تكن نافذة على هذا العالم، كانت أنموذجا على انتهازية العنوان وفقر ورداءة المحتوى، كانت منذ احداثها مثالا على فشل الإعلام التونسي، ما أسميه "إعلام مدح السلطة بمقابل وشتم أعدائها مجانا"، مقابل صفر في الاستثمار في المعرفة المهنية وفي الإنسان (كم فيها من صحفي حامل لانخراط في النقابة وكم كانت أجورهم) في عالم يوصف فيه الصحفي بأنه يشترى بربع دجاجة،
إلا أن السلطة لم تعد في قصر قرطاج ولا في القصبة، نشأت سلطات كثيرة لا تجد أية حاجة إلى إعلام المدح والشتم، لم يكن لديهم رهان آخر، فيما كنا نحن نبكي على رهانات المعنى، وكنا نرى صحيفة حقيقية تبيع ربع مليون نسخة يوميا، عمليا، حقا،
احترنا طويلا، نحن محترفو الصحافة، في التصنيف المهني لجريدة الصريح وجرائد تونسية أخرى كثيرة على وشك الإفلاس، حيث صاحبها هو الرئيس والمدير المدبر ورئيس التحرير الذي انقطع عنه وحي السلطة مقابل التوجيهات السديدة وفشل في فهم ما يحدث،
ولتعزية أنفسنا على مستقبلنا المهني، استحضرنا تلك المقولة الأكاديمية الجافة وغير الواقعية: عندما ظهرت الإذاعة وأخبارها المباشرة توقعوا موت الصحافة الورقية لكنها لم تمت، وعندما ظهر التلفاز ونقل بيتر أرنت لقصف بغداد مباشرة على سي أن أن توقعوا موت الصحافة الورقية والإذاعة لكنهما لم يموتا إلى أن ظهر إعلام الشبكات وتوقعوا موت كل الوسائط الأخرى، في الأثناء، لم تمت لا الصحف ولا الإذاعات ولا القنوات التلفزية الجيدة،
في 2002 في باريس، تنبأ لنا أستاذنا في الصحافة العجوز الفرنسي دوني بولف بأن الصحافة الورقية الجيدة سوف تملك مبررات حقيقية لمصداقية البقاء في ظل الفوضى العارمة لمنح حق الإخبار لكل من هب ودب في الأنترنيت، لكن أغلب الصحف الجيدة نجحت في ضمان البقاء بتحقيق نقلة نوعية في المهنة بالاستفادة من تقنيات التواصل الاجتماعي واستيعاب ظواهره الحديثة من المدونين إلى صحافة المواطن،
كان دوني بولف يردد لنا: "لم يعد مهما أن يحتكر الصحفي الأحداث، المهم هو قدرته على إعطائها معنى، ووضعها في سياق أخلاقي"، عن أية أخلاق تتحدث سيدي ؟ وداعا جريدة الصريح،