ما هو سبب حمى الاهتمام بالتاريخ التي انتشرت بين السياسيين في الأيام الأخيرة؟ قايد السبسي يزور ضريح بورقيبة في ذكرى وفاته، رغم أنه لم يحضر جنازته! مرزوق الذي تربى في شبيبته اليسارية على أن "بورقيبة رجعي وعميل للإمبريالية" يزور المكان الذي نفي إليه بفرنسا! لكل منهما كسياسيين أن يهتما بما شاءا، وأن يقدما الصورة التي يرغبانها. ولنا أن نفهم ما نشاء.
أعود إلى السؤال لألاحظ أن طرحه لا يعني البتة احتكار قراءة التاريخ ولا كتابته أو تأويله، إذ أنه العلم الوحيد الذي يمكن للجميع المساهمة فيه، كما لو أنه كتاب مفتوح لمن يريد أن يساهم فيه من فاعلين وكُتّاب محترفين وهواة وفنانين بمن فيهم من حكاواتيين وغيرهم، ولا يحرم ذلك السياسيين من حقهم في أن يهتموا بالتاريخ أيضا احتفاء وتمجيدا وتقديسا، ولا يمنعنا من أن نعتبر ما يفعلون تضليلا.
كذلك فإن اهتمامهم بالماضي لا علاقة له بما طرحته سهام بن سدرين، ولا هو بسبب تتالي الذكريات التاريخية وتواترها في مثل هذه الفترة من السنة، وإنما هو يكشف عن عجزهم عن الفعل في الواقع.
فالتاريخ لا يعطي شرعية، خاصة بالنسبة إلى من يكتفون بالاحتفاء والتعكيز على الآخرين، وإنما الشرعية تُكتسب بالعمل والإنجازات على أرض الواقع.
وفي كل الحالات فإن فرْط الاهتمام بالماضي يدل على مرض عضال، وأنهم مأزومون يحاولون إيجاد وسيلة إضافية للإلهاء والانصراف عن الفعل التاريخي، وحتى لو لم يكن كذلك فالاحتفاء بالتاريخ مثلما نراه عندهم لا يدفع الشعوب للفعل في الواقع، ولا المساهمة في ركب الحضارة.
نصيحة: دعكم من التاريخ أو الاهتمام بالماضي، وهاتوا ما عندكم أنتم أو انصرفوا.