كل ّ معلّم او أستاذ تضعه الأقدار في القسم الذي يدرس فيه الطيب ولد هنيّة ، مطالب أن يبتدع طريقة ما ليجعله ينتبه ويكفّ عن الشغب، وإلا فإنه سيصاب بالسكّري والضغط، والاكتئاب !ونادرون هم المدرّسون الذين نجحوا في ذلك!
ولن ينسى التلميذ الطيب أبدا أستاذته للتاريخ والجغرافيا في الكولاج التي انفجرت باكية في إحدى الحصص ثمّ أخذت محفظتها وغادرت إلى الإدارة لتطلب من المدير أحد خيارين لا ثالث لهما: " أنا وإلا الطيب الجوادي"!
ويدعوه المدير إلى مكتبه ، ويخبره انه سيحيله على مجلس التربية إن واصل إزعاج أستاذته، وليهمس لها : حطّيه مع واحد عاقل" ، وهو ماحصل إذ أجلسته مع " أعقل وأرزن تلميذ في القسم" ولكن، بعد مرور أسبوع واحد، تحوّل التلميذ " المثال" إلى " مشوّش " بدوره، مما جعل الأستاذة المسكينة تصيح فيهما:" أنتوما الزوز ما تقعدوش مع بعضكم" !
وأجلسته بجانب زميلته ليلى المحراثة التي لا تحدث الاولاد وتكره البلادة وترفض عبارات الغزل ،فلم يمرّ أسبوع حتى جعلها تبتسم ملء شدقيها وتهمل تمارينها وتقبل منه رسالة حبّ مفلفلة ،وتعده بالهروب معه الى جزيرة معزولة عندما يكبران!
فلم تجد أستاذته من حلّ غير أن ترشوه بكتب جرجي زيدان وتعده أن تمنحه العدد الأقصى إذا أقلع عن التهريج وتركها تدرّس في سلام ولكنّه لم يقلع عن شغبه وتهريجه ،فالأمر لم يكن بيده!
واليوم وأنا في هذا العمر ،أجد نفسي في تناقض بين الأستاذ الذي ينشد السلام المستحيل في القسم،وبين الطفل المشاغب الذي كان،والذي لا شك أنه أتلف بدون قصد أعصاب مدرّسيه ،وجعلهم يلعنون حظهم لأنهم صادفوني في فصولهم!
أحد تلاميذي المُتعبين سألني منذ أيام :
-سيدي بالله انت كنت رايض في القسم؟
فلم أحرْ جوابا وطلبت منه أن يعود إلى مكانه مهددا إياه بالطرد لو عاد للمشاغبة !