كُليني أيتها (الحكومة) الحمراء ذات الأذنين

Photo

منذ أعوام، أتقاتل مع قصة حقيقية طريفة لبعض أهلي من أجل إيجازها: في زمن الخرافات والفراغ، ثمة رجل معروف بالمزاح الثقيل من أجل الضحك لا غير، استدعى والد زوجته وهو شيخ وقور إنما معروف بالخوف الشديد وألح عليه للعشاء، وفي الأثناء، عمد زوج الابنة الشرير إلى نفخ شكوة اللبن وإغلاقها بإحكام وربطها خفية بخيط طويل في ساق الشيخ.

بعد العشاء والشاي والحكايات، بدأ المضيف يلمح لضيفه بوجوب العودة إلى أهله: "بيتك قريب، والسماء مقمرة وحمارك قوي وزوجتك وأبناؤك ينتظرونك، لا تقل لي إنك خائف في عمرك هذا ؟"، فلم يترك له بابا للبقاء، تشجع الشيخ وتحامل على نفسه، حمل المضيف الشكوة المنفوخة والمربوطة في ساق الضيف في الظلام إلى أن شيعه على عادة الريفيين مسافة ثم وضع الشكوة وراءه على الحمار: "أيا تصبح على خير وسلم على الجماعة"، ثم كمن ينتظر المشهد.

بعد عدة خطوات وقعت الشكوة عن الحمار الذي جعل يجرها، الشيخ أصبح وحيدا، لكن صوت الشكوة وهي تقفز وراءه فوق الحصى أصبح مسموعا وملحا ومحيرا، كذب سمعه وتشجع وقرر أن لا يلتفت إلى الوراء،

لكن الصوت وراءه استمر أكثر وضوحا وحدة، الخوف جعله يركز سمعه على تفاصيل الصوت الذي لا يشبه صوت شيء يعرفه أو يمكن أن يطمئن إليه، تعاظم خوفه حتى التفت أخيرا لكي يرى بعينه العدو تحت ضوء القمر الفضي: كائن غريب منتفخ، رباعي الأقدام يقفز في الظلام وراءه،

رمى بنفسه من فوق الحمار عائدا إلى بيت صهره "ساقاه أعلى من رأسه"، إنما كما هي حالة الاستلاب السحرية التي يحسها الخائف تجاه مصدر خوفه، فقد ظل جري ورأسه إلى الوراء بحثا عن "الآفة" التي اصبحت بفعل ارتباطها بساقه تقفز أعلى منه وتلاحقه حقا فلم يعد يتبين الطريق أمامه حتى وقع على ظهره في حفرة (مطمور للعارفين)،

عندها رآها حقا في ضوء القمر وهي تحقق قفزتها الأخيرة لكي تدركه وتبرك عليه حيث لا مهرب له، أطلق صرخة العجز والخوف والاستسلام: "كليني يا الحمراء أم الوذاني" (الأذنين)، كما لو كان يتقرب إليها بتقديم نفسه قربانا لها،

فيما كان زوج ابنته ومن معه يتبولون على أنفسهم من الضحك على ضياع هيبة الشيخ وما يمكن أن يصل إليه الخائف، ويستشهدون بعضهم لكي يجدوا حكاية يتسلون بها في مجالس ما قبل التلفاز، وهو ما جعل هذه الحكاية الحقيقية تصل إلي، فاكتبها لكم، إلا أن ما ذكرني بها، هو أني وددت حقا أن أقول للحكومة مقولة الشيخ الخائف: "كليني أيتها الحمراء ذات الأذنين"، ونحن في عمق الحفرة في حالة العجز والتسليم والخوف، وليس لنا مكان نهرب إليه،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات