المتأمل الدّارس لكتاب الله العزيز القرآن العظيم يستنتج أنّ النفسيّة البشريّة في معظمها اتصفت عبر تجاربها على مرّ الأزمنة وفي مختلف الأمكنة بالعصيان والتمرّد على الحق ونكران جميل الخالق الرازق. "وقليل من عبادي الشكور" سبأ. قد حادت معظم البشريّة في حقبات زمنية عديدة عن الصّراط المستقيم ,فآيات الله المسطورة تبرز بما لا يدع للشّك والرّيب إنحراف غالبية النّاس عن خطّ الفطرة السّليمة والسّلوك السويّ. "
والذّي أوحينا إليك من الكتاب هو الحقّ" فصّلت ولسائل أن يسال لماذا يسير الإنسان في الطريق الخطأ ويسلك السّبل الظلاميّة مع وجود شعاع الحق وقليلا من يوفّق إلى إتّباع الصراط المستقيم فلماذا؟ ما هي الأسباب والبواعث والدوافع؟ أهي نتيجة طبعه وطبيعته مزاجه وأخلاقه وأخلاطه أو ظروفه وبيئته أو هي تضايف الذّاتي والموضوعي لكي يفقد الإنسان بوصلة سيره الصحيح ويتيه ويضيع عن مساره القويم فلا يحقّق عبوديته لله ربّه عزّ وجلّ ناسيا ميثاق فطرته غير شاكرا لنعمه مكذّبا بآياته المنظورة في الآفاق وفي النّفوس؟
1-الإنسان ذلك المعلوم:
قبل الغوص في البحث عن السبب والمسبّبات المانعة لسيطرة الإنسان على حياته الروحيّة ووعيه بحقيقة الحياة وإدراكه معنى الوجود الجاذبة لطينته وغريزته وشهواته ,لا بدّ من تعريف الإنسان للإحاطة به وتبيّن إخلالاته وإخفاقاته وانحرافاته من ذاته وموضوعه من غيبه وشهوده . الإنسان هو عبد وعبوديّة فبنيته التّركيبيّة عبد وبنيته الوظيفيّة عبوديّة , فالعبد (حركة وسكون ) نمطه الباطني ما خفي عن المشاهد من سرائره. العبوديّة[ شعور سعي بيان ] نمطه الظاهري ما يتراءى للناظرين . خلل تحقيق العبوديّة لله عزّ وجلّ يكمن في إخفاق العبد وفشله في معرفة ذاته وعدم إحاطته بموضوعه فقد خاب لجهله وظلمه وعدم فقهه لأحوال منازلاته في دنيا غرورة فانية زائلة.
2-الدّنيا الغرورة:
عالم الوسائط والقوابل المجال الحيوي لحياة الإنسان وتجسيد قناعاته وسلوكه وهي مسرح لانفعالاته وتفاعلاته وميدان سباقه ودار ضربه ,هي إطاره المعرفي المفاهيمي والتّفسيري وتأطيره ,تجتذبه وتسحبه ببهرجتها وزينتها لتغريه فيطمع بها ويشره لتحجب معناه وتغيّب الحقائق فلباس الدّنيا عائقا وعقبة لا يمكن للإنسان التخلّص منها والقفز على حواجزها والتّجاوز إلا بالإيمان والعمل الصالح والجهد والصبر والمثابرة.
في عالم الحسّ والكثائف والحجب السمّ الدّسم الذّي يردي الإنسان قتيلا فيسلب معناه ويغيّب حقيقته ويحيله إلى العدم كأنما وجود الإنسان عدم يثبت بالوهم والتمثّلات في حضرة الحسّ والخيال لتطمس بصيرته ويخدّر وعيه وتوهن عزيمته وهمّته فتتعطّل روحانيته وتشتغل ماديّته وتنمو وتزدهر ,أليس الإنسان إلى خسران وهوان ؟
"3-والعصر إنّ الإنسان لفي خسر " :
قاعدة قويمة معبّرة لسلوك الإنسان باعتبار عنصر الزمن فيتّضح بدقّة نمّوه الرّوحي في تناسب عكسي مع الزّمن ويظهر في منحني بيانه الوجودي انحدار وتقهقهر وسقوط ولا يستثنى من الخسران "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر" العصر يبحر الإنسان في الدّنيا متوكلا على حوله وقوته مستعينا بإرادته وعزيمته ويجدّف بأعماله وتعلقاته وهمّه وأوهامه لتزيد بذلك استلابه وغربته فتضيع الذّات في بيداء الآخر وصحراء المحن وأعاصير الفتن.
إنّ حصول العلم يتمّ بالبحث في آيات الله المنظورة في الآفاق وفي الانفس ,فلقد يسّر الله سبحانه للإنسان ان يتفكّر ويتدبّر القوانين والسنن التّي تحكم المادّة وهي ثابتة لا تناقض فيها ولا تبديل وتغيير أقامها الله على الحقّ. "فلن تجد لسنّة الله تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا" فاطر مجال وميدان ومضمار وسباق للمبصرين إذ الصّعود والترقّي يتمّ من اسفل إلى أعلى وليس العكس ففي حياة الإنسان شهادة وغيب ظاهر وباطن عالم المحسوسات ظاهر وغيب الإنسان باطن يخفى عليه ولا يدركه ويجهله فلا يعلمه إلا عند وقوعه وحصوله فالإنسان يسعى ويتشوّف إلى غده ومستقبله يجتهد لنيل رغباته وتحقيق أهدافه ولكنه لا يدري ماذا يكسب غدا ولا بايّ أرض يموت لا يعلم مصيره وخاتمته ومتى يموت وكيف يموت وبماذا يموت واين يموت ومن يرافقه إلى قبره ومن يقبره ومن يودّعه؟
سلسلة من الأسئلة تبقى في حكم المجهول وعلم الغيب وكل ذلك غيب في حقّه ,فما له يدّعي المعرفة ويتوهّم الكمال وهو اعجز أن يحدد ويرسم معالم وأطوار حياته ؟ إنما تحصل معرفته ويقينه بذلك عند حدوث الوقائع والأحداث فعلمه حاصل بماضيه وبتجاربه السّابقة من تاريخ ميلاده وتطوراته وتغيراته في الزمان إلى حين حاضره وكلها من شهوده أما ما خفي عنه من غده ومستقبله فهي من غيبه . من عبد هواه وأحبّ الدّنيا نسي نشأته ومآله في حيزه الزّمني المحتوم وتاه في منتصف الطريق حتى يوقظه الموت.
4-صياغة الواقع واستجابة النّفوس:
يولد الإنسان في بيئة معيّنة تتميّز بمستوى من المعرفة والوعي والإدراك والمفاهيم والآراء تتداخل فيها العائلي والاجتماعي والذّهني والحضاري وكلها مناخات تصقل فيها شخصيته ويتكيّف سلوكه ويتحدّد منهجه ووجهته . يسبق هذا الوجود المتعددّ وجوده الذّاتي الواعي ويحاط بالإطار الزماني والمكاني بكل ما يحمله زمانه من معتقدات وإستناد ومخيال شعبي وتحدّيات فيتشكّل وعيه ويطبع كل ذلك في قالبه وتدوّن في ذاكرته طويلة المدى.
أمّا الواقع فإمّا ان يكون نتاج صياغة نفوس إبليسيّة ومنهجها الخفيّ للتأثير والاستيعاب والاستلاب والاستيلاء لتكييف الواقع حسب اهدافها ومصالحها وهواها فيبرز بسحنة الشرّ ومظاهر الباطل لمن تيقّظ وتدبّر وابصر ويتغذّى هذا الواقع البائس بالنّفاق والشقاق والنزاع والرياء والمصالح الذّاتيّة والدنيويّة جاذب للنّفوس اللئيمة الخبيثة الانتهازية. أو هو نتاج لصياغة الصالحين والمصلحين الأخيار الذّين يطبعون واقعهم ببصماتهم النيّرة ولمساتهم الروحيّة الخيّرة الراقيّة ليظهر الواقع بسحنة الخير والحق والجمال ويتغذّى بالعمل الصالح والإيثار والتضحيّة والتكافل وتتحقّق العبوديّة لله سبحانه وحده جاذبة للأرواح الخيّرة والنفوس الطيّبة.
5-نماذج عبر التّاريخ:
-الطواغيت :من حكموا وسادوا وحادوا عن الحقّ واستكبروا واستعبدوا عباد الله لبسوا لباس العزّ كذبا وتدثّروا بالكبرياء والخيلاء بهتانا وسحقوا من خالفهم وعارضهم وبسطوا سلطانهم بالظلم والجبروت كالنّمرود وفرعون وهامان وقارون وأبي جهل وأميّة وغيرهم كثير في كل الأزمنة والأماكن على اختلافها وتنوّعها تأذّت منهم البشريّة وهلكوا النّسل والحرث وإن اقاموا بنيانا فإنها على جماجم البسطاء والمستضعفين ,فالإنسان مهما تعدّدت واختلفت الازمان معاييره وخصائصه واحدة قلبا وقالبا .
هؤلاء الجبابرة تسلّطوا وحاربوا الحقّ واستولت عليهم نفوسهم وشياطينهم وأستقر هواهم في بؤرة الباطل وقعر الشّر ومعهم أقوام اتبعوهم خاضعين ساندوهم ولم ينصاعوا لصوت الحق ولا لوخز الضمير حاربوا الرسل والأنبياء والصالحين والمصلحين من عباد الله الأخيار كقوم نوح وثمود ولوط وبني إسرائيل وقريش وغيرهم كثير لا يخلو منهم زمان ولا مكان تشابهت قلوبهم وتساوت نفوسهم في عشقهم للباطل وكرههم للحقّ نحرتهم نفوسهم وغلبتهم شياطينهم واستحبّوا العمى وتمسّكوا بالتقليد ورفضوا التجديد ولم يستسلموا للحقّ ليسلموا هم الفاشلون في إمتحان بلائهم اشتدت عليهم بلواهم واستحقوا درك الشّقاء.
هؤلاء مردة البشر فشلهم جميعا نتيجة لخلل في ذواتهم ولاستكبارهم بغير حقّ فهم لا يسمعون ولا يتفكّرون على قلوب اقفالها لإعاقة في موروثهم وبيئتهم وعطالة في نفوسهم وعمى في بصيرتهم رغم جهد الأتقياء الصالحين والمصلحين والانبياء والرسل لإنقاذهم من غفوتهم وغفلتهم بتحذيرهم وإنذارهم وتنبيههم وإيقاظهم فلم تجدي كل المحاولات نفعا "نسوا الله فأنساهم انفسهم "الحشر . فالكبر سياج نفوسهم والعجب سجن أفئدتهم والغشاوة في قلوبهم والحجب إغتالت ذواتهم فأعدمتهم واردتهم قتلى صرعى كبرهم وعنادهم.
-الطيّبون الخيّرون : هؤلاء سلموا من الدعاوي الباطلة وسلمت فطرتهم تواضعوا للحقّ واستسلموا مطيعين منيبين لمولاهم عزّ وجلّ وإتبعوا سبيل المصلحين قد فازوا لسلامة طبعهم وطويّتهم وسجاياهم الخيّرة فمنهم العالم الربّاني والمتعلّم على سبيل النجاة مثلهم مثل الذي قال "وما لي لا اعبد الذّي فطرني وإليه ترجعون "يس لقد تبرّأ من العبوديّة لغير الله عزّ وجلّ واعيا بميثاق فطرته مؤمنا بالله وحده مخالفا سير الهمج الرعاع واتجاههم وتوجههم وميولاتهم وهواهم فقد تمسّك بالحقيقة وركب سفينة النّجاة وغرق غيره في بحر أوهامهم وخيالاتهم وغلبت عليهم شقوتهم.
ذلك هو الإنسان المعلوم في بحر الدّنيا المتلاطمة الامواج الحاملة للفتن والبلايا ,ينجو منها البسيط المتواضع ويهلك المركّب المعقّد المتكبّر المتعجرف لأنّ من تواضع لله رفعه ومن تكبّر قصمه والتواضع خلّة حميدة ومفتاح نجاح ترفع صاحبها وتسمح له بقبول الآخر والانصياع للحقّ وعدم التعالي أمّا الكبر فيكبّ صاحبه على وجهه ذليلا مهانا لتعاليه على بني جنسه ولتوهمه أنه رفيع وهو الوضيع البائس الحقير الشقيّ.
التواضع والكبر صفتان متناقضتان ضدّان تعبّران عن صفة الذّات وعلاقتها بالآخر واتصالها بالموضوع ولولا وجود النّفوس في الدنيا ما أمكن تمييز الخبيث من الطيّب والصادق من الكاذب "وقد خاب من حمل ظلما" طه لو عملت الإنسانية بقاعدة الملامتي الصالح الذّي قال "أش عليّ مني واش عليّ من النّاس" لنجت وسلمت من كل الخيالات والأوهام المانعة الحاجبة للحقّ.
أ-أش عليّ مني : هي صيغة إبحاره في الدّنيا براءة من نفسه من عجبها وكبرها ورعونتها وتمردها لأن النفس حجاب عن ربها وهي من الوهّاب معطى للإنسان من "الهو" وإليه راجعة لأن الأشياء موجودة به معدومة في نفسها "وما كان وجوده بغيره فهو في حكم العدم" إذن هو يتبرأ منها ولا يسالمها ولا يتّبع ما تريد وتهوى لأن النفس مجرد هويّة ذاتية معنويّة للإنسان كهويته البيولوجيّة ولا حقيقة لها إلا بالله فكيف يتمسّك بها الإنسان العاقل وهي حجابه عن مولاه.
ب-اش عليّ من النّاس : هي قاعدة تجديفه تبرأ من الأغيار والسّوى والآخر الذين هم حجابه عن نفسه ,فالإنسان إمّا يتماهى معهم ويتجانس أو يقلّدهم أو ينافسهم أو ينافقهم ويصانعهم وكلها خسران . من سلم من رعونة نفسه وأخلاط الأغيار سلم دينه ونجا من أمواج بلاء الدّنيا العاتيّة.
-6-هاتف من وراء الكثائف:
ايها الإنسان المحاط بقيد الزمان وضغط المكان اللاّبس لباس الدّنيا المزهو بقالبه المعجب بنفسه المخاطر براسه إنّك بالنواصي والأقدام فناصيتك للتفكير وإتخاذ القرار واقدامك للسير وقطع المسافات واختصرتها بوسائل النقل فالمسافة مرتبطة ببعد الأمكنة وبعد الزمان وهي صعوبة من صعوباتك ولا حاجة لربك سبحانه لقطع المسافات وإستعمال ادوات لتيسير ذلك فالكون فسيح يمدّه سبحانه وتعالى كيفما شاء ويتصرّف في ملكوته بإرادته ومشيئته.
يحتويك الزمان ويغيّرك ويحدث فيك عديد التغيّرات فتفارق طفولتك وشبابك وقوّتك ويحيلك إلى ارذل العمر إن كان في عمرك بقيّة بتتالي الزمن وما مضى من عمرك لن يعود وربّك تعالى عن ذلك علوّا كبيرا فهو مجري الزمان ولا زمان له قد أيّن الأين ولا اين له فالزمان متغيّر مستقل وأنت تابع لأنك المتغيّر التّابع فهلا فهمت حقيقتك وزال زيغك ورعونتك وسوء فهمك ووهمك؟؟؟ الأرض أمك تحتضنك وتحتويك وتتزوّد بخيراتها وترتع في ربوعها وتحلّق في أجوائها وتقبر في أحشائها بعد أن كنت تمشي في أرجائها.
لك بدن وأعضاء تمكّنك من آداء وظائفك الحياتيّة وأعضاء حسيّة تتواصل بها مع محيطك ترغب وتطمع وتسعى لنيل حظوظك تسعد بحالك ويتغير مزاجك فتشقى بحالك تغضب وتجهل وتظلم وتفرح وتتقلب أحوالك حسب طبعك ومزاجك وحدّة إنفعالاتك ذلك إنك إنسان في دنيا المتغيّرات والتحولات والآفات وشتى الصعوبات .
هذا زمانك ومجالك وحدودك فلماذا تغترّ بحالك وتجهل خالقك وهو متعالي عن كل ذلك ؟ في عالم حسّك تبصر ولكن قد تغفل فتعطّل بصيرتك وتسجن روحانيتك في قفص وجودك فانت تعقل وتشعر وتحسّ وتفكّر وبك عديد الاستعدادات والإمكانيات والقوابل والمواهب ولكن قد تغفل عن روحك وهي جذر وجودك فأنت عبد ناس لربّه لا يعرف حقّ خالقه ورازقه ووليّ نعمته . قد يصبغ الإنسان أوصافا لا تليق بمقام العزيز الجبّار ويكفر بنعمه وقد يلحد بأسمائه وينكر وجوده لأنه يطالع بالوهم ويحسب انه يحسن صنعا فكيف للمحاط أن يحيط بالمحيط والمحدود ان يستوعب الغير محدود والله عزّ سلطانه متعالي عن المستوى البشري الإنساني فلا مشابهة ولا مماثلة مع مخلوقاته .
"ليس كمثله شيء" الشورى الإنسان بالروح موجود وبالجسد فاعل منفعل متفاعل والروح محرّكه ساع لنيل حظوظه يغلب بعده المادّي بعده المعنوي فينسى جوهره واصله ونشأته ويغترّ بماله وجاهه وما اكتسبه في دنياه.
الله عزّ وجلّ خلاف ما يتصوّر الإنسان وما يخطر بباله فالله هو النور التّام نور الأنوار الصمد الفاعل لا بمعنى الحركات والآلة والكون مكوّن بأمر كن فهو تجلّي من تجلياته سبحانه فالله عزّ وجلّ خلاف البشر فالإنسان بالتفكير يخطا ويصيب والله بالتدبير يفصّل الآيات حيّ قيوم ولا يوصف سبحانه إلا بالتمام والكمال والتنزيه ,إذ كيف للصمد أن يتّصف بصفات مخلوقاته ويشبهها في أعيانها وصورها واحوالها وأشباحها وارواحها فهذا محال لأنه غيب الغيب" لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن سبحانه وتعالى" وهو واجد مخلوقاته من عدم وكل مخلوقاته مقرّة له بالعبودية في بواطنها صفتها العجز والضعف والنقص والذّل والجهل وكلها خصائص العبوديّة ولله مطلق الربوبيّة لا يعجزه شيئا وهو الكبير المتعالي.
إذا غاب الإنسان عن وجوده الحسيّ وتجاوز عالمه الماديّ وتجاوز عوائق الكثائف وعى معنى الوجود ابصر ببصيرته وارتقى إلى المراقي العرفانيّة العليا وارتفع عن المستوى المنخفض الأرضي السفلي الجاذب لطينته المرتبط بجسده وبطنه وحظوظ نفسه , فعدم الإنسان في وجوده بنفسه وقالبه في دنيا جاذبة للجسد والنفس ووجوده في غياب نفسه وعدم تلبية رغبات جسده وإشباع بطنه وطاعة هواه وانغماسه في المادة واستهلاكه زمانه. فكيف له ان يعي أن عدمه وجوده ووجوده عدمه ؟ أيها الإنسان بالروح تبصر أنوار الحقيقة فيخترق كيانك شعاع الحقّ وتجهل بالنّفس معاني الوجود فنفسك حجابك وروحك بصيرتك وأنوارك فاين أنت من كل ذلك؟ "إنّ في ذلك لمن كان له قلب وألقى السّمع وهو شهيد " ق وإنها لعبرة لمن أيقظ العقل وهو لبيب.