حقوق الإنسان وحدها ثورية....

Photo

هي الحقوق...كل الحقوق الشخصية والمدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية...التي من يعملون على تغيير وتثوير الواقع في وقتنا المعاصر...يضعوها في برامجمهم السياسية وبدرجات مختلفة ..وبتوصيفاتهم السياسية الأيديولوجية…

وهي المكسب الأساسي للإنسانية...كرست مبادئها وحددت رويدا رويدا وعلى مراحل..في الشرعة الدولية في القرن العشرين...وخصوصا منذ الحرب العالمية الثانية...في قالب اتفاقيات جماعية صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة...فأصبحت مطلب شعبي أساسي ويومي لكل الشعوب والمواطنين المنتهكة حقوقهم....للمطالبة بها ولتحقيقها…

وقد تأقلمت معها منذ عقود الأحزاب الثورية والتقدمية والديمقراطية في برامجها....وفي مواجهتها للطبقات ومراكز النفوذ الحاكمة التي تنتهكها...حتى أنك مثلا أصبحت الآن لما تقيم برنامج هؤلاء الأحزاب ومواقفها يتضح لك أنها مطالب حقوقية في معظمها....ومع الأسف ليس كلها...وهذا ما سأتعرض له فيما بعد…

وقد تفرغ مناضلوها ومناصروها وأصدقائها منذ عقود للعمل في المنظمات الحقوقية التي تدافع عنها...وهذا ما حدث مثلا في تونس منذ السبعينيات من القرن الماضي....كما حدث في سائر البلدان…

ولكن نظرا لشعبيتها لدى شعوب العالم...ولدى الإنسانية جمعاء....ظهرت أربعة مشاكل رئيسية:

أولها أن البلدان والقوى الإقتصادية العالمية التي أسست سياستها ومصالحها على انتهاك حقوق الإنسان...اصبحت مجبرة أمام شعوبها على التظاهر بأنها مدافعة عن حقوق الإنسان...وهناك حتى من منها جعلها الركن الأساسي في دعايتها....للتغطية عن انتهاكاتها اليومية لها...أو أنها تستعملها كتعلة لمصالحها...وتتجاهلها لما لا تخدمها...وهو ما يعبر عنه بازدواجية المعايير)مثلما يتناسونه من فضاعات في حق الشعب الفلسطيني...والعدوان على سوريا باسمها...إلخ)

ثانيها...ان المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم وفي تونس صنفين…

فهناك من يناضلون من أجلها لأنهم يعتبرونها قضية مبدئية...ونمط حياة يحاولون يوميا الإلتزام به رغم ما لقن لهم منذ صغرهم...وهم لا يتوفقون دائما ولكنهم يحاولون...ويعملون كلما سنحت لهم فرصة على نشر مبادئها لدى المواطنين…

و هناك المقاولين الذين اتخذوا من حقوق الإنسان مسارا مهنيا وموردا للرزق...وهؤلاء يعتبرونها راس مال شخصي يجب أن تؤمن لهم مستقبلهم المادي والسياسي بالنسبة لجزء منهم...فتراهم لا يتوقفون أبدا على المحاولة وتكرارها للسطو على منظمات حقوق الإنسان لغاياتهم الشخصية المادية...ولنا في تونس مشاتل كثيرة منهم...أعرف الكثير منهم...ولم أتخلف عن التشهير ببعضهم…

وهؤلاء لا تهم المبادئ الأصيلة لحقوق الإنسان...ولكنهم دائما مستعدون لتطويعها لما تقتضي مصلحة الممولين ذلك…

وثالثها...مناضلين من القوى الديمقراطية والتقدمية...الذين لم يستوعبوا الموضوع....اما لأن احزابهم الذين ادلجوهم لم يطرحوا الموضوع معهم في سيرورته التاريخية الإنسانية ومكتسباتها...وبقوا ملتصقين بأدبيات تاريخية قديمة يلقنوها لهم كوصفات طبية ولا كأدوات تحليل...فعجزوا عن أقلمتها مع الواقع المعاصر...او رفضوا…

وهذه مصيبة كبرى تعرقل تثوير الواقع...فتراهم يتخلفون عن الدفاع عن حقوق طبيعية للإنسان لأن الكتب القديمة لم تتعرض لها في مجتمعات غبرت ولكنها قدوتهم...مثلما حصل أخيرا في قضية تجريم استهلاك "الزطلة" في تونس...ومثلما لم يحصل لحد الآن في الحقوق البيئية للإنسانية المعاصرة...او مواقف البعض المهولة المساندة لعوقبة الإعدام...او المناهضة للمساواة بين الجنسين...وغيره كثير جدا....

ذكرت هذه الأمثلة... وهناك غيرها في مجالات أخرى لم أذكره هنا... حتى لا "يركب" عليه بعض المتخلفين تاريخيا...ليحيدوا عن هذا الموضوع العام...بالاستناد على ما يكمن في مجتمعنا من تخلف حضاري وإنساني…

ورابعها...كل من لا يؤمن بحقوق غيره من المواطنين...ولكنه لما تنتهك حقوقه يتذكرها لمصلحة انتهازية مقرفة...فتخرج عقيرته بالصياح: أين حقوق الإنسان؟

ولكنك تراه صباحا مساء ويوم الأحد...ينتهكها ويشهر بها...ويهاجم الحقوقيين لما يدافعون عنها عندما يتعلق الأمر بخصومهم السياسيين...وهؤلاء سفهاء القوم…

سيقرأ هذا الكثيرون...ولكني لا أنتظر منهم شيئا... لأنهم تعودوا على خلافه…

ولأن نشر ثقافة حقوق الإنسان...هي أصعب ما يكون...مع من فرمتهم المجتمع...ومكوناته...مهما كانوا…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات