عن الكبار: انتقام الفقراء

Photo

عدت لجني الكبار في سركونة بحثا عن بعض المشاعر القوية التي صنعت خيالات طفولتي منذ أكثر من أربعين عاما، حسنا، بالنسبة لمن لا يعرفونه إلا في البريك هذا اسمه الكبار وهو يكاد يكون أسطورة في أرياف شمال مدينة الكاف (سركونة) حيث صنع منه الناس ثروات حقيقة إنما بالعرق والحزن والأساطير والألم.

تصوروا صبية تقضي ست ساعات لجني خمسة كيلو من الكبار (ثروة تساوي وقتها أكثر من 50 دينارا اليوم) ثم تفقد توازنها فيضيع الكبار ويختلط بالتراب، يا إلاه الفقراء، إن هذا كان مدعاة للجلطة.

الغريب أنهم لا يأكلونه (كان شيئا يهم الآخرين، بعيدا في المدن (إنما اقترن جنيه بالأحلام بالثروة والصدفة، كان شيئا يجمعه الفقراء لأجل حماقات موائد الأغنياء وبرع فيه بعضهم ممن كان قادرا على الجني بكلتا يديه.

الكبار نبتة برية أشواكها أكثر فتكا وشراسة من الورد، تموت في جويلية وتتحول أغصانها إلى خشب ميت لتنام ثمانية أشهر، ثم تحيى من جذورها تحت الأرض في مارس وتثمر في ماي، بالنسبة لي، يقترن جني الكبار بالمحن ومشقة القفز على مدى ساعات بين "الزرازيح" جمع زرزيحة، أي المنحدر الحاد من الأرض حيث ينبت الكبار، كان ثمة بارعون في جني الكبار يمشون في اليوم عشرات الكيلومترات بين الأودية والوهاد يجمعون في اليوم الواحد سبعة كيلوغرمات من الكبار، "يا للثروة" يقول الآخرون.

عدت لجمع الكبار بعد أكثر من أربعين عاما بحثا عن المعنى وعن أمجاد الذكرى، تمزق قميصي من الكمين ونزف الدم من أصابعي ولم أهتم، تماما كما حدث لي قبل أكثر من أربعين عاما، كان ذلك لأجل أن أفرح أمي، إلا أني أذكر أني أشتريت لها بأول بيعة كبار حلوى الشامية، عل أيامها تكون أحلى،

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات