لو اعتبرنا ان التحوير الوزاري في تونس لا مناص منه في الفترة القادمة، بالرّغم من أنّ المرحلة لا تتحمله وان المنهجية المتّبعة للوصول اليه غير مقنعة، ولو حتّمنا ان التوازنات السياسية الحالية واستراتيجيات أصحاب المصالح المختلفة أدت اليه بحيث أصبح أمرا واقعا، فرأفةً بالبلد وبالمواطن أرى انّ الملاحظات التالية محورية:
- حكومة قليلة او كثيرة العدد، معيار لا معنى له اذا لم تُؤخذ بالاعتبار الهيكلة التنظيمية اللاّزمة لجهاز الحكم وقدراتها وحاجياتها المؤسسية مقارنةً بحجم التحديات المطروحة والنطاق الزمني المتبقي لرفعها. فلا راتب وزير سيزيد في عجز الميزانية ولا حقيبتيْن وزاريتيْن بين يديْ وزير واحد ستضاعف أداءه، إذْ ليست هذه الطريقة المُثلى لسدّ العجز في التنسيق المؤسّسي او ضعف الأداء الفردي لبعض الوزراء.
فالعلاقة بين عدد الوزراء وأداء الحكومة ليست بديهيةً.
- حذف خطة "كاتب الدولة" ليس لها معنى اذا لم تُحدد مهامُه وأدواره ومواصفاته. فأداء بعض كتاب الدولة مثلا (في الحكومة الحالية) يبدو افضل من اداء الوزير، وبعض الوزرات بكاتب دولة كان أداؤها متواضعاً... وهناك وزراء بدون كاتب دولة وكان أداؤهم مرضيا…
- مًواصفات الوزير. من المهم تسبيق معيار الكفاءة على معيار العلاقات الشخصية والحزبية والجهوية والانتخابية حتى في صورة التوجه نحو "حكومة سياسية" وفق مسميات متعددة. فالحكومة الحالية سياسية بامتياز وقد حُكم عليها بالفشل بدون نشر تقييم علمي. لكن جرعة "السياسي" فيها عالية فسمحت لبعض غير المختصين وغير المحنّكين وغير المناسبين في مواقعهم ان يعتلوا منابر العارفين فأصبحت ارادتهم السياسية محدودة الأثر في ادارة وزاراتهم والشأن العام والازمات…
- من الضروري إيجاد آلية للوزراء الذين سيُعيّنون في وزارات مُعينة حتى يتمكّنوا من الملفات الحالية وحتى لا يقضوا ما تبقى لهم من وقت في فهم مفرداتها…
- لو فرضنا ان من الاسباب غير المُعلنة هو بعض الإصلاحات التي دأبت عليها الحكومة الحالية من استهداف تمتين الموازنات الكلية، فلا اعتقد ان الحكومة المقبلة ستستطيع إكمال السنة الجبائية لو تخلت عن هذه الإصلاحات بالرغم من انها تُناقش. وامّا اذا كان دافع البعض الوحيد انتخابيا بحتا، وهو الأرجح، فقد اثبتت الادبيات ان هذا المنحى غيرُ مُجدٍ خاصة في المراحل الانتقالية التي تستهلك الارصدة السياسية للأفراد وللأحزاب.
مع التذكير أن الذي سيقبل بالانضمام الى الحكومة الجديدة عليْه ان يدرك انه سيكون اداة تنفيذ لبرنامج صاغَهُ غَيْرُه من اطراف مختلفة التوجه. وهذا يُعتبر "استثناءً تونسيا"، بقدر ما ينحرف جزئيا عن الدستور الذي يحمّل الحكومةَ مسؤولية السيّاسات الاقتصادية ويجنح لشرعية التوافق، بقدر ما يؤدّي الى وضعٍ حيثُ فشلُ المبادرة يتحمّله غير صاحبها، ونجاحها يرجع اليه...وفي كل الحالات تنتفي شروط عملية التقييم.