القوانين الجديدة لمكافحة الفساد لا فائدة منها ما لم تتغير العقليات وما لم ندخل عصر ثقافة الشفافية …

Photo

القانون الجديد لمكافحة الفساد يجبر المسؤولين عند المغادرة وانتهاء المهام او التقاعد التصريح بمداخيلهم وأملاكهم ومصالحهم في ظرف لا يتجاوز ستة اشهر وإلا يدخلون السجن ويدفعون غرامة بعشرين الف دينار...؟؟!!.. هذا امر مضحك ...بالفعل مضحك .... للعلم ان تونس كلها تقترح هذه القوانين من عهد بورقيبة ..وقد كنا منذ شبابنا ننادي بقانون من اين لك هذا!

وصدرت بعض قوانين تؤدي الى هذا المعنى ..وجاء بن علي ليفرض التصريح بالممتلكات يوم التعيين الجديد ..ويوم الخروج من المسؤولية ..... وتواصلت السرقات .وتأسست منظومة الفساد ..وتوسعت في البلاد ..وبعد الثورة استشرت ..وأصبحت ثقافة اساسية اذ ان البلاد بدأت تفقد اخلاقيات اساسية هي نبذ السارق والمجرم والمهرب واعتباره منحرفا خطيرا ..ولا حق له في ان يكون عضوا في المجتمع إلا اذا دفع الثمن وهو العقاب ومن ثم يعاد تأهيله ليعود الى الحياة بأخلاق جديدة تحترم القيم ..

واذا بالقيم تنقلب بإعلام فاسد منقلب على نفسه ..فالسارق والناهب والمهرب والفاسد والمستبد بالفساد اصبح ضيفا على اذاعاتنا وتلفزاتنا ونبارك وجوده ونرحب به ..ونعلن صباح مساء انه خبير ومختص وبدونه لا حياة سليمة لاقتصادنا و اموالنا وبنوكنا وكل مؤسساتنا المالية والتأمينية وغيرها والشبيهة بها ..ونتهم الجدد بقلة الخبرة ونتهمهم بسقوط الاقتصاد وانهيار مالية البلاد والبنك المركزي ....

اعلامنا وأحزابنا ..و سياسيونا لا يحاربون الفساد ولا الفاسدين بل يتعاملون معهم لأنهم من نفس الطينة .بينهم علاقات وشائجية الى درجة العلاقات العائلية فالسارق يرتمي في احضان المثيل والنظير .. هذا من ناحية لا بد من ان نفهم ان القانون الذي يتعبون الان انفسهم اهل السياسة والبرلمان لإصداره هو امر قديم ..وأبدا لم يحدث ان سمعنا انه تم تطبيق اي شيئ منه ... وها انكم تسمعون بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ..ومن قبل كانت هناك وزارة مكافحة الفساد ..ووزارة العدالة الانتقالية فهل سمعتم بمسؤول دخل السجن عن طريق هذه المؤسسات .. ؟؟

حتى اذا ما حدث فانه بعد مدة نرى الناهب والسارق يتجول في البلد وكأن شيئا لم يحدث ... هل ان الاستاذ الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قام بأي عمل مشرف ..و هل سمعتم بعمل ردعي للناهبين ولكل الذين سينهبون .. ابدا لم يحدث اي شيئ ...والأستاذ الطبيب يحكم هيئة لم نر انها قدمت اي خدمة تنشر العدل وتدافع عن الحق وتكشف الحقيقة..... لم نسمع منه إلا كلاما فضفاضا من قبيل النضالات التي لا تخرج عن القصص والحكايات ..انه لا يقول إلا كلاما من العموميات ولم نسمعه مرة يتهم احدا او يكشف عن الملفات ..

وهذا ما شجع على المزيد من الفساد ..ما دام كل شيء يسير في السر و المهموتة كيف للقضاء ان يحكم على الفاسدين والناهبين وفق ما نسمع عن قانون من اين لك هذا .....في حين ان رئيس البلاد بالتعاون مه راشد الغنوشي اصدر قانون المصالحة بلا محاسبة فكيف يتصالح المجتمع مع الفاسدين قبيل الثورة ويمسك الفاسدين بعيد الثورة .. اي منطق هذا ؟؟؟

ها نحن نسمع بان المصادرات قد توقفت والهيئة انهت اشغالها ولم تفعل اي شيئ مهم إلا في ما يتعلق بأملاك الطرابلسية ... بل ان الكثير من الاملاك التي تمت مصادرتها عادت الى اصحابها..وهؤلاء الاصحاب قادرون الان قانونيا رفع قضايا على الدولة ما بعد الثورة لأنها صادرت املاكهم ظلما وعدوانا ..كما حدث مع ذاك الذي يدعى بودن ..الذي خرج من السجن لأنه تسبب في دمار البنك الفرنسي التونسي في المنتصف الثاني من الثمانينيات ....وبعد الثورة خرج من السجن وفق العفو التشريعي العام وحصل من مسؤول بوزارة املاك الدولة برتبة مدير على اخلاء الذمة فحصل عليها للأسف ..

وبهذه الوثيقة رفع قضية عدلية في فرنسا يؤكد فيها انه كان مظلوما ومتهما ظلما وعدوانا فحكمت المحكمة الفرنسية لفائدته بغرامة وتعويضات بمئات المليارات وستدفعها الدولة احبت او كرهت ..... ومن ناحية اخرى فان السارق عندنا » يغلب اللي يحاحي« بما يعني ان المسؤول السارق لن يكتشف احد املاكه..ولا احد بقادر على اتهامه بأي شيئ ..فهو قادر في اي لحظة ان يثبت بالوثائق انه لا يملك شيئا .... فهل ان الذي يبني قصرا او عدة قصور هو مجبر على تسجيلها ..فليس لدينا التسجيل الاجباري اولا وثانيا فان التسجيل في تونس من الصعوبة بمكان لذا فان هناك مئات الالاف من الاملاك لا احد يعرفها ملكا لمن وهناك من يملك المليارات في البنوك .. ولا احد يعرف عنها شيئا لان البنوك لا تكشف عن الاسرار إلا بامر قضائي ..

وتبقى الاملاك من الاسرار للخلل الموجود في القوانين الاخرى اليكم مثالا من عندي ويخصني فانا والحمدلله تمكنت مع زوجتي الراحلة من بناء بيت في تونس العاصمة وبيتا في قليبية ..لم اتمكن من تسجيلهما إلا بعد سنوات طويلة مضنية من الاوراق والملاحقة والقضاء العقاري والمحامين والمهندسين .. بيت تونس مثلا اتعبني بشكل كبير ولم اخرج من ازمة تسجيله إلا بعد عشرين سنة ..ففي كل مرة هناك امرا يعطل التسجيل اما مع البلدية او مع وزارة التجهيز او الصوناد اوالستاغ ....او مع جار تقدم او تأخر في البناء ..او اعتدى على الملك العام الحكومي او البلدي .

وهذا يعني ان الدولة لا تعرف عن هذا الملك شيئا لمدة عشرين سنة ...اذن كنت غير مالك لأي شيئ بالنسبة للدولة ..وبالتالي فان القضاء طبعا لا يمكنه ان يعرف اي شيء عن ملكي هذا ....بسبب صعوبات التسجيل ..فلو كنت سارقا او ناهبا لأموال الدولة فان القضاء لا يتمكن من التعرف على ما املك إلا بعد مرور عشرين سنة…

اذن قبل ان تصدروا القوانين المتعبة اكتفوا بالقوانين الموجودة ..وابحثوا في الصعوبات التي تمنع من التوصل الى المعلومات الحقيقية عن الاملاك ..واجعلوا الاموال التي تتجول في البلاد بشفافية مطلقة ولا في اسرار مغلقة في صناديق من الف ليلة وليلة ...وثروات الناس في مغارات علي بابا وافتح يا سمسم لا تصل اليها إلا الشياطين والعفاريت.

اجعلوا الصناديق شفافة وللثروات معروفة بتسهيل تسجيلها ومعاقبة كل الذين يتلكئون في تسجيل املاكهم في ظرف زمني محدد ..بما يعني العودة الى اجبارية التسجيل ...وإلا فان العقاب يكون شديدا قد يصل الى دفع غرامة عالية في مستوى ثمن الملك نفسه ..وبهذا الشكل ستنهى عمليات النهب وستكون الثروات والأملاك مكشوفة وشفافة ولا مهرب منها ..اما ترك الامور هذه عادية كما هي منذ عشرات السنين وإصدار قوانين جديدة لملاحقة الذين اثروا بلا حساب ..فان لا احد قادرا على الكشف عن الثروات ما لم يتم تسهيل التسجيل ومعاقبة كل من لم يسجل املاكه مهما كان نوعها ..بالإضافة الى جعل الثروات المخزنة في البنوك مكشوفة بإجبار البنوك على الكشف عن الحسابات كلما طلب القاضي ذلك وبسرعة كبيرة ..

فقد سمعت قاضية تقول بأنها اثناء عملها طلبت من البنوك تقديم كشوفات عن متهمين بالفساد فلم تتلق من اي بنك اي رد ..وعملت البنوك على التهرب من الشفافية لإنقاذ الفاسدين والنهابين فالى متى تبقى البنوك المغارات السرية للفاسدين ..؟؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات