الآن بعد أن وضعت الحرب الكروية أوزارها وانفض المجلس واستهلكنا رصيدنا من العواطف الوطنية ومات أحدهم بسبب الخيبة وارتفعت أسعار المحروقات، من حقنا أن نطرح الأسئلة الحقيقية حول الكرة والفريق الوطني، دون أن يقتلني أحدهم بتهمة اللاوطنية مثلا،
أولا، من حقي بصفتي دافع ضرائب أن أعبر عن رأيي، وهو أن الكرة تأخذ جزءا خرافيا من الجهد وخصوصا المال العمومي مقارنة ببقية المجالات التي تصنع المجد واللحمة الوطنية، أسأل، دون أن أدخل في مجال الكفر، عما إذا كان يمكن أن يمنح اختراع أو كتاب علمي أو دراسة أو رواية أو كتاب شعر 5 بالمئة فقط، مما يأخذه لاعب كرة أو مدرب الفريق الوطني العمومي من أموالنا ؟
التونسيون يحبون كرة القدم الإسبانية، لكن لا أحد يقول لهم إن إسبانيا وحدها تنتج سنويا من الكتب أكثر مما أنتجه العرب كلهم في كامل تاريخهم، ثمة شيء من التعادل والتناسب بين الاهتمام بالكرة والاهتمام بالفكر والإبداع والأدب، يفترض أن المقارنة بين براعة القدمين وبراعة الدماغ تحسم لفائدة الدماغ في أي مجتمع يفكر في مستقبله، أعرف واحدا هنا، يسرق دينارين من أخته التي تشتغل منظفة في مصنع، يصبهما أنترنيت لايت لكي يشتم أنصار الفريق المنافس لريال مدريد على أساس أنهم "مش رجال"،
لقد راهنت الدولة ومنظمات المجتمع المدني في هذا الكائن على أسوأ ما فيه: العصبية بالمراسلة والعدوانية المجانية تجاه من لا يعرفهم أصلان هل يقل هذا الوضع البائس خطرا عن المخدرات ؟ في المقابل، هل رأيتم يوما محب أدب أو موسيقى أو مسرح يقول لمنافسيه "يا طحانة" ؟،
هل أن النجاح في الكرة يختزل المجد الوطني خصوصا في ظل البطالة والفساد والفوضى ؟ هل أن دولة مثل فنلندا ناقصة مجد وهي لا توجد في كأس العالم إنما في مقدمة الأمم المتقدمة اجتماعيا، هل أن الوطنية نفسها لها جدوى في ظل تطوير مفهوم المواطنة خارج إطار العصبية ؟
يقول الكاتب الكبير ماركيز عن الوطنية في رواية خريف البطريق: "لم تكن الوطنية سوى خدعة اخترعتها الحكومة لكي يحارب الجنود مجانا"، المشكل أن جنود الوطنية في العصر الحديث من لاعبي الكرة لا يلعبون مجانا، بل بدخل قرية كاملة، في ركلة كرة قدم،