حجّة داحضة

Photo

استمعت إلى الحوار القصير مع رئيسة لجنة الحقوق والحريّات على إذاعة خاصّة ... ركّزت فيه على الحملة التي استهدفتها واللجنة التي تترأّسها من قبل جزء من الرّافضين للتقرير الذي أصدرته ... وهي حملة في جزء منها تجاوزت حدود الأخلاق وجد لها أصحابها مبرّرا في التقرير نفسه الذي تجاوز كلّ ما ترسّخ في ضميرهم أنّه أخلاق ...

نحن نساندها بدون قيد أو شرط في ضرورة التزام الحوار العلمي البنّاء حتّى لو كانت المقترحات مستفزّة ومثيرة ... لكن في الجانب المتعلّق بالمضمون لم تكن مقنعة بل كان أداؤها ضعيفا ... يكفي أن نستحضر استنجادها على غرار كلّ متبنّي التّقرير والمدافعين عنه بالحجّة المتهافتة المتعلّقة بالحدود ... حيث لسان الحال والمقال يسأل باستنكار يعبّر عن جهل بالمسائل :

لماذا تقبلون بتعطيل الحدود رجما وجلدا وقطعا وتجاوز الاسترقاق والتسرّي ولا تقبلون بالتسوية في الميراث ورفع التّجريم عن اللواط والسّحاق والتّخفيف من عقوبة البغاء السريّ والاعتراف بالأمّهات العازبات ؟

وهو سؤال تردّد على عدد من الأفواه في منابر إعلاميّة لإرباك الضّمير الدّيني المتشبّث بما يعتبره أحكاما ثابتة و أسسا لهويّته ...

طبعا هؤلاء لم يكلّفوا أنفسهم جهد الفهم والضّبط والتحقيق والتّدقيق ليستوعبوا أنّ العقوبات المغلّظة ضيّق الإسلام في إيقاعها وجعل لها من الضوابط والشّروط المشدّدة ما يؤدّي إلى عدم أيقاعها ... بل دعا إلى درئها بالشّبهات ما استطاع أهل القضاء إلى ذلك سبيلا ... بل اعتبر رسول الإسلام أنّ الخطأ في العفو ألف مرّة خير من الخطأ في العقوبة مرّة ...

أمّا الاسترقاق والتسرّي فهو واقع اجتماعي وجده الإسلام ولم يستحدثه وتعامل معه بآليّات تشريعيّة نادرة في تاريخ الاجتماع البشريا الذي عرف هذه الظّاهرة وهي تضييق المداخل وتوسيع المخارج من خلال آليات أخلاقيّة تشجّع على عتق الرّقيق وإكرامهم وإنزالهم منزلة أفراد العائلة أو من خلال آليّات فقهيّة قائمة على الكفّارات ...

لكن إبداع النّظام الإسلاميّ في ذلك هو استحداث تعاقد موثّق يسمّى المكاتبة يتمّ بمقتضاه شراء المُستَرَقّ لحريّته عبر الاتّفاق بينه وبين مالكه على مقابل ذلك مالا أو عملا ... ورغم الانحرافات التّاريخيّة بقيت هذه الآليّة التشريعيّة تشتغل ومكّنت العديد ممّن كانوا في وضع الاسترقاق من بناء مسارات حياة في العلوم والآداب والفنون والسياسة بل وإدارة شؤون الحكم ... لذلك لم تثر الدّعوة لإبطال الاسترقاق في البلد ردود فعل رافضة من علماء الزيتونة بل قابلوها بالتزكية والتّشجيع ...

فكيف نحتجّ بهذه الأوضاع الخاصّة التي يتشوّف الإسلام إلى نقضها أو عدم إيقاعها، لإلغاء أحكام قام عليها وجعلها أسسا لانتظامه الاجتماعي ؟

وما يزيد الموقف الحجاجي تهافتا وسخرية هو إصرار القوم على ادّعاء عدم الخوض في شأن الدّين وعدم الافتاء …

لست عدميّا ولا داعية لرفض الاجتهاد والتطوّر وإعمال العقل في النّصوص ... وليست القطعيّات عندي حاجزا أمام النّظر العقليّ سواء كانت قطعيّتها من جهة الورود أو الدّلالة ... لكن للنّظر العقليّ منطق ومنهج وأدوات قصّرت اللجنة في تحصيلها لأنّ نتائجها جاهزة مسبقا وكلّما فعلته أنّها جمّعتها من أدبيّات أفرادها ومنشوراتهم التي قرأناها سابقا وتفاعلنا معها وبعض التّفاعل منشور ...

كما أثمّن ما ورد في التّقرير من تطوير لمكاسب حقوقيّة وردت غير مفصّلة في الدّستور أو القانون أو وردت في مطالب التّونسيين حقوقيين وسياسيين منذ عقود وهي محلّ إجماع بينهم ... لكن نخشى أن تكون هذه المكاسب مجرّد غطاء لما وقع تمريره من مقترحات لا تعبّر عن مطالب المجتمع و لا عن المصلحة العامّة ويرفض أصحابها الاستفتاء الشّعبي عليها طمعا في فرضها بشكل فوقيّ قسريّ على المجتمع.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات