هل تتجدّد التشريعات والقوانين بتطوّر أوضاع المجتمعات وحاجاتها ومطالبها الحيويّة الملحّة التي تلتقطها النّخب الملتصقة بهواجس مجتمعاتها وتصوغها في بتعبيرات مختلفة من بينها القوانين والتّشريعات ؟
أم أنّ القوانين المتطوّرة التي تؤمن بها وتعبّر عنها النّخب حاملة الوعي المتقدّم هي التي تعيد تشكيل المجتمعات وهندستها وفق ما ترى أنّه يعبّر عن حاجات مستجدّة تلبّي مقتضيات التطوّر بقطع النّظر عن مطالب المجتمعات ووعيها بتلك الحاجات ؟
أم أنّ المسألة جدليّة تفاعليّة ومن العبث أن نسقط في سؤال الأسبقيّة بين البيضة والدّجاجة ؟
هل يحقّ للنّخبة التي تعبر نفسها طلائعيّة avant-gardiste أن تستعمل القوانين مدخلا لتطوير مجتمعاتها أو تسريع نسق تطوّر مجتمعاتها التي تفتقد للقابليّة الذّاتيّة للتطوّر أو ذات النّسق البطيء في التطوّر ؟
يذكّر هذا بالجدل الذي طُرح تحت عنوان نمط الانتاج الآسويّ في الاستبداد الشّرقي وهو نمط حسب منظريه هجين مغلق جامد " شبه إقطاعي شبه رأسمالي" يفتقد لآليّات وقوانين ذاتيّة بنيويّة وهيكليّة تخوّل له الانتقال من انتظام لانتظام آخر بوعيه الذّاتي ووسائله الذّاتيّة ممّا يجعله في حاجة لقوّة خارجيّة تكسر انغلاقه وجموده بتدمير بناه الدّاخليّة destruction بشكل كليّ أو جزئيّ بإعادة هيكلتها reconstitution من خلال آليّة التفكيك والتّركيب و التّرميق bricolage و هندسة الانتظام الاجتماعي من جديد في كلّ مجالاته الاقتصاديّة والسلطويّة وحتّى الرمزيّة .
وأفضى هذا التصوّر إلى تثمين النّخب التي عاشت على هامش السّلطة دور الاستعمار الخارجي ودكتاتوريّات الدّول الوطنيّة التي انتصبت بعد الاستقلالات الوطنيّة في تكسير البتى التقليديّة التي تحول دون تطوّر مجتمعات الشّرق نحو التقدّم والحداثة وآمنت بدور الدّولة الرّاعية état providence في تطوير المجتمعات التقليديّة المتخلّفة عبر القوانين الفوقيّة والتّحديث القسري الذي لا يحتاج إلى مواكبة نسق تطوّر وعي المجتمع .
السّؤال المطروح على هامش هذا التحليل هل يمكن قياس تطوّر المجتمعات على الولادات القيصريّة ؟ وهل يحقّق التطوير القسريّ الذي يعبّر عن وعي النّخبة ولا يعبّر بالضّرورة عن وعي المجتمع ولا يراعي الميكانيزمات الدّاخليّة لتحوّلاته " هل يحقّق " انتظاما اجتماعيّا متماسكا منسجما أو فصاميّا متذبذبا مضطرب الهويّة والمعايير والقيم والمعاني والرّموز ؟ هل يحقّق السّلم الأهلي والأمن الرّوحي والوجداني ؟