هو مناضل ...وهم مكلفون بمهمة !
رجاء لا تشبهوا اعضاء لجنة الرئيس للحريات والمساواة بالطاهر الحداد. الراحل الطاهر الحداد مناضل حقيقي وهو زيتوني الثقافة والتعليم لا يتقن إلا العربية وحرمه الله من تعليم عصري ومتقدم ومع ذلك تفتح على ثقافة متنوعة متنورة ..وتبنى النضال النقابي وساند محمد علي الحامي و كتب ما كتب دون ان يطلب منه احد شيئا ونشر كتابه ولا احد ساعده ولم يناقش مسالة حرية المرأة بمناقشة القران ولم يكن بحثه من خارج الاسلام بل تفرغ في كتابه لمناقشة اهل الشريعة من الفقهاء وأصحاب المذاهب والسياسيين الذين يرفضون التقدم بالمرأة جهلا او اقتناعا..
هؤلاء هم الذين رؤى مبكرا انهم كبلوا المرأة بما لم ينزل به القران واثر نشر الكتاب ثارت ثائرة الشيوخ في جامع الزيتونة وحرموه من شهادته العلمية بعد عدة اشهر من السباب والشتائم والاتهامات من كل لون اقلها التكفير والزندقة بل حتى اهل السياسة من الحزب الدستوري الجديد مثل بورقيبة ومحمود الماطري رفضوا ما جاء به الطاهر الحداد لا لأنه يرغب في تحرير المرأة بل لان البلاد في حاجة الى التخلص من الاستعمار الفرنسي قبل كل شيء ثم بعد الاستقلال يتم التفرغ لمسالة حرية المرأة..
وفي هذا يمكن ان نقرا ما كتبه محمود الماطري بالفرنسية اثر صدور كتاب الطاهر الحداد .. و مات الطاهر الحداد مقهورا و فقيرا..بعد ان عانى طويلا مما لاقاه من الشيوخ و المجتمع والصحافة والأحزاب.
نعم كان مناضلا يكفي انه زيتوني ورفض الفكر المتحجر وناقشه بشدة وذكاء ..واخرج كتابا عن المرأة في الشريعة والمجتمع لا يمكن ان لا يكون من اهم ما نشر المفكرون العرب في النصف الاول من القرن العشرين ..و نضاله كان فاعلا لأنه حرك الهمم النائمة ومؤثرا سلبيا في الكثير من اصحاب المصالح الذين ابدا لا يسلمون في اي مصلحة من مصالحهم وخاصة منها الهيمنة على النفوس كذبا وبهتانا مستغلين الجهل المطبق على المجتمع ..
ودفع الطاهر الحداد ثمن نضاله من اجل تطوير المرأة غاليا ...دفعه حياته بعد عذاب طويل ...وقد توفي قهرا في السادسة والثلاثين من عمره اي انه بدا نضاله في عز شبابه ولم يتمتع بهذا الشباب اذ اثر صدور كتابه ناله ما ناله من العذاب والتهميش والسباب والشتائم الى درجة انه اذا ما دخل المقهى يخرج منه الجالسون ....
في حين ان اعضاء اللجنة الرئاسية للحريات والمساواة ليسوا مناضلين انما هم مجموعة باحثين ومثقفين ومحامين وجامعيين اصحاب رؤى تقدمية هذا لا شك فيه اعمارهم تتجاوز الستين وتبلغ ما بعد الثمانين اختارهم رئيس البلاد اعضاء للجنة اطلق عليها اسم لجنة الحريات والمساواة وطلب منهم ان يشتغلوا على جملة من الافكار والمقترحات كان قد عبر عنها قبل انتخابه رئيسيا تخص المساواة في الميراث ..
ومن هذه المسالة توسع الاهتمام بالمساواة في كل المجالات مع التركيز على الحريات الفردية وكل ذلك من خارج المنظومة الدينية. يعني ان الجماعة مكلفة بمهمة .. وما فعلوا غير اقتراح تفاصيل توضيحية او تحليلية او اضافية عن افكار اصلاحية يرغب في تطبيقها الرئيس الذي اراد ان يحدث متغيرا كبيرا في مجلة الاحوال الشخصية التي شرعها بورقيبة انطلاقا من نصوص واضحة كتبها الشيخ جعيط رحمه الله .
فالباجي يتشبه ببورقيبة في كل شيء ..و سعى الى ان يتجاوز بورقيبة في ما لم يقدر على فرضه من خلال مجلة الاحوال الشخصية خاصة فيما يتعلق بالمساواة في الميراث وهو الموضوع الذي حاول بورقيبة فيما بعد الاستقلال بسنوات عديدة بإلحاح من زوجته وسيلة بن عمار اعادته الى السطح من خلال قانون يعرض على البرلمان …
ثم اني لا اعتقد انهم قاموا بهذه المهمة مجانا وعن طواعية .بل من المؤكد ان المكافئات ستكون مجزية ..هذا ان لم يكونوا قد حصلوا على حقوقهم المادية عن العمل الذي قاموا به الى حد الان .... لذا لا يوجد اي وجه مقارنة بين المناضل المصلح الطاهر الحداد الزيتوني الذي انطلق فدائيا في مجتمع متخلف كان يمكن ان يغتاله ..ومات فعلا تحت تأثير الضغوط النفسية العالية التي تجرعها لحظة بلحظة الى ان توقف قلبه المعذب..
اما اعضاء هذه الجماعة فإنهم لم يجتمعوا بالصدفة على فكر معين اتفقوا عليه لإشاعته او مشروع حزب ارادوا بثه في صفوف الشعب ولم يجمعهم برنامج تلقائي لمنظمة اجتماعية او سياسية اعدوا لها العدة لتكون سندا لأفكارهم ... بل هم جماعة تمت دعوتهم من اجل عمل ما اقترحه الرئيس و تم تكليفهم بمهمة في مجتمع مهما قيل عنه هو مجتمع يتمتع بنصيب كبير من التعليم والثقافة والعلوم مع التمتع بنصيب وافر من الحريات والحماية الامنية والسياسية وظروفه المادية لا تقارن على الاطلاق بالظروف السوداء التي ظهر فيها الطاهرالحداد....
كما انهم مدعومون من الخارج الذي يتابع كل كبيرة وصغيرة في تونس بل الخارج قد يكون صانع بعض تحركات من هذا القبيل منذ سنوات عديدة... فكيف نصف هذه الجماعة المترفهة فكرا و مادة ودعما برجل مناضل كم تعب ..وكم ناضل وتعذب من اجل ان يوصل فكره الذي استنبطه وابتكره لإعلاء شان تونس وشان المرأة في وسط متعب زاخر بالجهل ..مع قيود زيتونية لا علاقة لها بالعلم والدين انما هي قيود لا انزل الله بها من سلطان تحافظ على مكاسب المهيمنين على جامع الزيتونة ..
هو ناضل في اجواء سوداء ..وهذه الجماعة تعمل ضمن مهمة معينة مدروسة بدقة ومرسومة الاهداف مسبقا في اجواء محفوفة بالريش والقطن ..؟!!!! ... ولذا لا تقوموا بهذه المقارنة ..انها تفسد تاريخنا ..وتفسد روح النضال الحقيقي ..