ارفعوا أيديكم الآثمة عن هذا البلد الأمين !

Photo

أخي القارئ، لقد تردّدت كثيرًا قبل كتابة هذه الأسطر، لسببيْن على الأقلّ:

- أوّلهما: أنّ تكويني الفلسفي يجعلني أستحي من ادّعاء أمورًا تعوزني الحجّة للاستدلال على صحّتها.

- والثّانية: أنّ خطورة ما سيأتي هي بمكان، بحيث أنّ التّوجّه بأمثال التّهم الواردة تباعًا في حقّ الأشخاص أو الجهات المعْنيّة هو من قبيل إتيان الفعل الشّنيع المحرّم دينًا والمجرّم قانونًا.

وإنّما دعاني إلى المجازفة بمثل هذا القول: عدم استحْياء الجهات المنفّذة لهذا الجرائم عن التّلاعب، أوّلاً، بمصير البلاد والعباد، واستغْفال مواطنيهم، ثانيًا. فمنذ الاغتيالات السّياسيّة الأولى، المُعترَف بصفتها تلك على الأقلّ، أي جرائم قتل الشّهيديْن شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، وشبهة المناورة السّياسيّة تحوم حول ملفّات العنف المسلّح في بلادنا.

والشّبهة ها هنا لا تتعلّق بالجرائم في حدّ ذاتها فقط، كأن يعْجز المرء عن تعيين وجْه اسْتفادة الإسلام السّياسي، في الحكم آنذاك، من مثل هذه الاغْتيالات التي حُمِلت على كاهله، باعتبار أنّه كان ماسكًا بزمام السّلطة آنذاك، بل أنّها، وهو الأمر الأخْطر، كلّفته التّنازل عن حقّه الشّرعيّ في مواصلة تسيير دواليب الدّولة؛ وفضلاً عن ذلك، فإنّ شبهة المناورة السّياسيّة قد ترسّخت لدى بعض المحلّلين بالنّظر إلى تعامل خصوم الإسلاميّين مع هذا الملفّ، وبخاصّة أنّ رمزهم قد التزم في أكثر من مناسبة وبصفة علنيّة (تجاه أرملة الشّهيد شكري بلعيد مثلاً) بإماطة اللّثام عن كلّ تفاصيل هذه الملفّات.

ولنقلْها صراحة: لم تشهد تونس ما بعد الثّورة اغتيالات سياسيّة إلاّ بعد تكوين حزب نداء تونس وربط نسيج علاقاته الخارجيّة. بل أنّ ما يبْعثُ حقًّا على التّساؤل هو أنّ كلّ الضّحايا كانوا خصومًا للمتأسْلمين السّياسيّين، وأنّ ما من شهيد، حتّى على وجه الاتّفاق، كان ذو مرجعيّة إسلامويّة. بحيث أنّ أصابع الاتّهام، والحالة تلك، لم تُوَجّه إلاّ إلى حركة الإخوان، خاصّة وأنّ تاريخهم في مجال العنف السّياسيّ أسود اللّون قاتمه. والحقيقة أنّ مجرّد التّساؤل عن "مَن المستفيد من هذه الجرائم؟" كفيل بتبرئتهم منها.

واليوْم، وبعْد أن طالت الجرائم "السّياسيّة" مواطنين عزّل، ذنبهم الأوْحد أنّهم -بحكم انتمائهم للحرس الرّئاسي- وسيلة فائقة الفاعليّة في توْريط الخصوم المتأسْلمين، تصرّ الجهة المستفيدة من جرائم الدّولة هذه في العبَث بأرواح مواطنيها. ولولا أنّ الأقْدار قد كشفت لنا خيطًا رفيعًا يربطها بالاغتيالات الأخيرة لستّة (والعدد مرشّح إلى الارتفاع) من خيرة شبابنا في ظروف مأساويّة، لَمَا تجرّأنا على كتابة هذه الأسطر.

إنّ كشف المسْتور قد بدأ مع نشر حركة النّهضة على صفحتها الرّسميّة للقاء شيخها مع رئيس الدّولة يوم السّبت 07 جويلية 2018، أي ليلة وقوع المأساة، ورئاسة الجمهوريّة تكتّمت عن الخبر إلى يوم النّاس هذا. بل الأخطر من ذلك أنّ البيان المذكور قد أومأ، من جهة، إلى عدم توصّل الرّجليْن إلى حلّ توافقيّ حول إزاحة يوسف الشّاهد من رئاسة الحكومة، و، من جهة أخرى، إلى أنّه يتعيّن على التّونسيّين التّحسّب من كلّ محاولة للتّفرقة وزرع الفتنة بينهم، في إشارة إلى الحملة المنتظَرَة التي ستعْقب الاغتيالات المذكورة والموجَّهة أساسًا ضدّ حركة النّهضة وحليفها الجديد: رئيس الحكومة.

والحدث الثّاني الذي يسّر لنا قراءة الأحداث قراءة سليمة هو تباهي المتآمر الغرّ، المسؤول عن ضبط "السّياسات" في نداء تونس، المُستَهْلَك برهان بسيّس، الذي أعلن مسبقًا وبكلّ صفاقة ّأنّ الوضع سيتطوّر إلى اللّجوء إلى العنف المسلّح لحسْم الموقف. ولئن كنّا مدينين له بإنارة السّبيل، فإنّ الأرجح، وبحكم معْرفتنا بثوابت مؤسّس البوليس السّياسي في بلادنا الاسْتخْباراتيّة، أن تكون أيّام هذا الأحْمق في النّداء معْدودة (لاحظ الحكمة منن تواري بن نتيشة وقراج عن الأنظار طيلة هذه المدّة أسوة بحكيمهم).

ولا نخال أنْفسنا في حاجة إلى مزيد توضيح عناصر شبهة تورّط، ولو بصفة غير مباشرة، قيادة الحزب المذكور في اقتراف هذه الجريمة النّكْراء. فالبيان المهْزلة الذي صدر سويعات بعد عمليّة الاغتيال، وهي بالمناسبة سابقة بالنّسبة للكتيبة التي نُسب لها البيان، الذي لم ينتبه واضعوه إلى مماهاته لصيغة التّقرير البوليسي المُستخْدمة في محاضر وزارة الدّاخليّة (الالتزام بالتّقسيم الإداري المُعْتمد في وزارة الدّاخليّة: ذكر العمادة مرجع النّظر، ثمّ المعْتمديّة، ثمّ الولاية- إحصاء السّلاح المُحْتجَز على طريقة محاضر حجز وزارة الدّاخليّة – تسمية الشّهداء بـ"العدوّ" لا بالطّواغيت، وهي التّسمية المُعْتَمَدة من قبل موظّفي وزارة الدّاخليّة – احْتساب الإمارة (وبالمناسبة لم تذكر المدينة بهذه الصّفة !) القيروانيّة ضمن زمرة الجهات المنهوبة ثرواتها، والحال أنّ هذه التّصنيفات لا تنتمي إلى السجّل الجهادي الإسلامي الخاصّ – خلوّ المفرادت المُسْتَعْمَلة من كلّ مرجعيّة إسلامويّة: أسود – عدّو – العمليّة، في إشارة إلى جريمة الاغتيال – حكومة – جنود...).

وبعد كلّ هذا وقبْله، ما العمل الآن وهنا؟

الإجابة واضحة:


- أوّلاً: فضح هذه المافيا السّياسيّة حتّى يرْفعوا أيديهم عن مصير البلاد والعباد.


- ثانيًا: تعليق دستور 2014 والمؤسّسات المنبثقة عنه إلى حين إجراء استفْتاء شعبيّ.


- ثالثًا: دعْوة المرْكزيّة النّقابيّة إلى أخذ مسافة أمان عن مناورات هذه العصابة الإجراميّة... وإن لزم الأمر بإعادة توزيع المسؤوليّات داخل مكتبها التّنفيذيّ، حتّى يتسنّى للمنظّمة الشّغيلة بهياكلها المدنيّة الموزَّعة على كامل تراب الجمهوريّة العبور بالبلاد إلى شاطئ الأمان.


- رابعًا: مراجعة أسس تعاملنا مع الدّول الأجنبيّة، وبخاصّة الجارتيْن ليبيا وبدرجة أولى الجزائر. فلا يُعْقل أن تواصل الدّولة الجزائريّة في السّماح للعصابات المُجْرمة عبور حدودها نحو بلادنا لاغتيال أبنائنا، ثمّ الرّجوع إلى ملاذاتها الآمنة الموجودة على أراضيها لتستحيل إلى خلايا نائمة تُنشَّط عند الاقْتضاء؛ وكلّ ذلك لمجرّد "إحراج" المتأسلمين السّياسيّين في تونس. فلْنقلْها للإخوة الجزائريّين بصوت عال: إنّ اتّفاقات العجوزيْن المدبَّرَة في ليل دامس وتحت جنح الظّلام لم تعدْ ملْزمة إلاّ للمحْتضِريْن.


- خامسًا: إحالة صلاحيّات قوى الأمن الدّاخلي إلى جيشنا الوطني إلى حين تطهير أجهزة وزارة الدّاخليّة.


- سادسًا: حصر كلّ أشكال تعامل التّمثيليّات الدّبلوماسيّة في بلادنا على وزارة الشّؤون الخارجيّة دون سواها، لا ترتيبيًّا فحسب، بل وترابيًّا أيضًا.


- اعتبار المخالفات الاقتصاديّة (تهريب – تهرّب جبائي – تصدير عملة – فساد مالي -رشْوَة… ) جرائم ضدّ الدّولة مستحقّة للعقوبات المناسبة لحجم الجرم المُقتَرَف.

ونهاية فلنخْتم بعبارتنا العامّيّة المأْثورة: "ربّي يحْفظ تونس".

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات