جيلي الذي عاش تحت حكم بن علي يعرف ماذا يعني أن تعيش في وطن يعدّ فيها رئيس الشُعبة عدد أنفاسك ويُحصي بوليس بن علي كلماتك وخطواتك وحركاتك…
جيلي عاش تحت وقع الماتراك ورائحة الأكريموجان وتهديد الأمن الجامعي ووعيد القوّادة والوشاة ... كنّا لا نختار نمط عيشنا ولا طريقة لبسنا... الحجاب جريمة واللحية شبهة والصلاة في الجامع من الكبائر...
حتى صلاة الصبح نؤدّيها تحت جناح الظلام لأنّ ضوء يشعل عند الفجر يعني أنّك خوانجي... الحصول على وظيفة يلزمها بطاقة انخراط في التجمّع... الكاباس تتحكّم فيه شقيقة المخلوع... رخص سيارات الأجرة والمقاهي مشروطة بالولاء للطرابلسية... الصفقات العمومية لا يدخلها غير الموالين للعائلة الحاكمة…
التدريس في الجامعة كانت حكرا على صفوة الصفوة ... المواقع داخل المؤسسات كانت توزّع حسب القرب من ساكنة قرطاج... من لا يرضى عليه القصر يضعونه في ثلاّجة…
حُرمنا من حقّنا في الشُغل ومن حقّنا في الحياة الكريمة ومن حقّنا في الطمأنينة ومن حقّنا في اختيار شريك الحياة ومن حقّنا في الحبّ ومن حقّنا في التعبير عن غضبنا ومن حقّنا في اختيار الإسم المناسب لأبنائنا....
حُرمنا من حقنا في الفرح ومن حقّنا في الحزن. كنّا نعيش كـ"سرّاق" نغتنم الفرصة للإنقضاض على لحظة "حياة" كريمة............
رغم هذا الظلم الذي يجعل الهجرة فرضاً والرحيل واجبا والحياة في المنفى حُلماً... والباسبور أمنية صعبة المنال... بقينا نُواجه ظلم أهلها بالصبر ونتحدّى إكراهات الواقع بالأمل وننتظر الخلاص الذي جاءت به إرادة مُتفائلة أنتجت "ثورة" المحرومين من حقّ ممارسة الحياة بسبب ظلم الأهل وذوي القربى....
المُغادرون والراحلون والمهاجرون بعد الثورة … أنتم جزء من "الظالم" أهلها… فكفّوا من تبرير الهروب…