رئيس الحكومة: رَجُلٌ أصْبح يمثّل خطرًا على أمن الدّولة والمواطنين

Photo

تراكمت الأرقام والإحصائيّات السّلبيّة المُتّصلة بالماليّة العموميّة بما يُنذر بانهيار وشيك للاقتصاد الوطني. من ذلك مثلاً أنّ عجز الميزان التّجاري قد تجاوز 15 مليار دينارًا في سنة 2017، وأنّ رصيد الدّولة من العملة الصّعبة قد تقلّص إلى ما دون 70 يومًا من حيث تغطية واردات البلاد، وأنّ ارتفاع نسبة التضخم قد وصل إلى حدود 6.4 بالمائة خلال سنة 2017، وأنّ قيمة الدّينار التّونسي قد تدنّت إزاء اليورو إلى حدّ ثلاث دنانير ومائة وخمسين ملّيمًا مقابل اليورو الواحد.

وعلى الرّغم من هذه الأرقام الصّادمة وغياب الحلول من جهة الحكومة لمواجهة هذا الوضع الكارثي، فإنّنا لم نتجرّأ قطّ على كتابة مثل هذا العنوان. بل أنّنا تحاشيْنا المساهمَة في بثّ الذُّعْر بين مواطنينا حتّى في حالة عجْز الحكومة عن التصدّي للاقتصاد الموازي الذي أضحى يمثّل ما لا يقلّ عن 40% من الاقتصاد الوطني، وحرمان التّونسيّين من ماء، ومن الحليب، ومن الدّواء، ومن القروض البنْكيّة، والزّيادات المتتالية في المحْروقات، والكهرباء، والنّقل، والعديد من الموادّ الغذائيّة: السكّر، والحليب، والطّماطم... ، ممّا تسبّب في انْخفاض القُدْرة الشّرائيّة بنسبة 42% في السّنوات الأخيرة؛ فضْلاً عن المغالطات التي أصْبحت الحكومة تلجأ إليها بصفة منهجيّة للتّغْطية على فشلها في كلّ هذه المجالات وغيرها،

من ذلك مثلاً أنّها تدّعي احراز نجاحات باهرة في التَّخْفيض من نسبة البطالة، والحال أنّ أوّل مشغّل في البلاد قد أوقف الانتدابات –اذعانًا لتعليمات صندوق النّقد الدّولي- منذ سنة 2017، وأنّ نسبة النّموّ قد ارْتفعت بما يفوق النّقْطتيْن (والحقيقة أنّ الحكومة تعدّ القروض الأجنبيّة انجازًا تنمويًّا)، وتحسّن مؤشّرات الوَضْع السّياحيّ (والحال أنّ ميزان السّياحة –بحساب العُمْلَة على الأقلّ- يشْكو عجْزا واضحًا، وهو فيما بين تونس وفرنسا يفوق 400%) برغم اقْرار محافظ البنك المركزي بكون 50% من عائدات الدّولة من قطاع السّياحة بالعُملة الأجنبيّة غير مُسجَّلَة في دفاتر البنك المركزي....

نقول إنّنا على ما أسْلفنا من هنات ومغالطات قد طالت في بعض الحالات حتّى الجانب الأمني، كالإشاعة التي روَّجتْها بعض الأجهزة برئاسة الحكومة عن محولات انقلابيّة نُسِبَت كذبًا وبهتانًا لوزير الدّاخليّة السّابق العميد لطفي إبراهم أو عمليّات السّطْو على المؤسّسات البنْكيّة المشْبوهة أو بعض العَمَليّات المُصَنَّفَة إرهابيّة التي ضلّت الشّكوك تحوم حول مرتكبيها الحقيقيّين، والتي لم تقدّم الحكومة إلى حدّ السّاعة أجوبة كافية وشافية بشأنها، فإنّنا لم نجازف بالحديث عن مؤامرة تحيكها أجْهزة تحوم في فلك رئاسة الحكومة ضدّ الوطن.

بل أنّنا لم نُطلق صفّرَة الإنذار تحسُّبًا انيل هذه الأجْهزة من حرمة الدّولة حتّ عندما كشَف أكثر من نائب عن الشَّعْب وفي عقر دار مجلس النُوّاب عن تهديدات بإفشاء ملفّات بوليسيّة تورّط بعضهم في أعمال تقع تحت طائلة القانون أو تحميلهم مسؤوليّة عمليّات إرهابيّة مُحْتمَلَة الوُقوع في المستأنف من الأيّام أو حتّى تعْريض ذواتهم الجسديّة للعنف أو حتّى الإعْدام في صورة تصْويتهم ضدّ منْح الثّقة لوزير الدّاخليّة المقْتَرَح ومن خلاله لرئيس الحكومة.

وإنّما التَزْمنا بواجب التّحفّظ إزاء كلّ هذه الأفعال الشّنيعة مخافة أن يوَظَّف قولنا ضمن حملة التّخويف المُسْتَهْدِفَة لاستقْرار البلاد، أمّا أن يصل الأمر بمهندسي الدّعاية الحكوميّة إلى حدّ إطلاق العِنان لرمز من أبرز رموز الفساد والتّضليل الإعلاميّ، أعني رجل المهامّ النّهْضاويّة الصَّعْبة المدعوّ ماهر زيد، الذي روّج لتقْرير "أمنيّ" لصاحبه ماهر الدّخيلي، هو أشْبه منه بوشاية مخبري الأنهج والأزقَّة من الملفّ الأمني المتماسك العناصر والمؤيَّد بقرائن غير قابلة للدَّحْض، يورّط اسْميًّا إطارات علْيا من وزارة الدّاخليّة بالتّخابر مع الكيان الصّهيونيّ والتّآمر مع هذا الكيان الإجراميّ على أمن البلاد والعباد.

بل أنّ الرّواية المُرَوّج لها منذ يوم الأمس، وبعْد أن نَشَر رئيس الحكومة تغريدة على حسابه الفايسبوكيّ الخاصّ –سرْعان ما وقع حذفها من الشّبكة العنْكبوتيّة- مفادها أنّه لن يرضخ للممارسات المافيوزيّة كلّفه ذلك ما كلّفه، ولن يسلّم أمن البلاد إلى أيادي المجْرمين الآثمة.

مع العلْم أنّ "التّقْرير" الأمني، المنشور من قِبَل ماهر الدّخيلي والمُرَوَّج له بعناية ماهر زيد، يطالب رئيس الحكومة بفتح تحْقيق في الغَرض، والأسلم أن يتوجّه هؤلاء للجهة القضائيّة المُختَصّة بمثل هذه المواضيع، لا لمحاسبة المُتورّطين فحسب، بل لمساءلة القائم الأوّل عن وزارة الدّاخليّة عن تقصيره في محاسبتهم باعتبار أنّ المتّهم الرّئيسيّ لم يعاقب إلاّ بصفة رمزيّة، والأدْهى حسْب صاحب التّقرير أنّ العقوبة لم تنفّذ أصْلاً، ما حدا بالمُذْنب لتتّباهي بقوّة نفوذه وجماعته الصّهيونيّة.

إرْباكٌ إذًا للجهة الأمنيّة وتشْكيكٌ في وطنيّتها، وزعْزعة لأهمّ أرْكان الدّوْلة وتشْويش على مهنيّتها ونظافة يدها، بل تجريح في ذمّة أعْلى مسؤول عن جهاز الدّوْلة الأمني… ومَن وراء كلّ هذا؟ التّرسانة الإعلاميّة للتّنظيم الإخوانيّ في تونس. أي نعم، لقائل أن يردّ علينا قولنا مُذكِّرًا أنّ البلاد قد عانت ويلات أكبر من هاته التي نذْكر بأشواط وأشواط، من عمليّات تفجير واستهداف للأشخاص بالقتل والتّشويه…

وحجّتنا أنّ خطورة الوضْع هذه المَرّة أنّ الشّناعات التي نعاينها اليوم متأتّية من كونها مُقْتَرَفة بالتّنسيق، وفي أحسن الأحْوال بعلْم، المسؤول الأوّل عن الجهاز التّنفيذيّ، أعني رئيس الحكومة. بحيث أنّه لا منْدوحة لنا سوى دعْوَة رئيس الدَّوْلَة للتّحرّك، وفق ما يمليه عليه واجبه الدّستوريّ، حتّى لا يتفاقم الوَضع الرّاهن إلى حرْب الكلّ ضدّ الكلّ وفق عبارة توماس هوبس، فنعود على أعْقابنا إلى، مرحلة الخلافة كما يحلو إلى البعْض تزيين مشروعهم لنا، بل إلى حالة اللاّدوْلة أصْلاً.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات