لا أجد لي موقعا لا في مسيرة السبت ولا في مسيرة الإثنين. ولا تمثلانني فيما تعبّران عنه من مواقف بخصوص الأحوال الشخصية والحريات الفردية والمساواة.
من حقّنا أن نجتهد في فهم الإسلام خارج الخطاب الشريعي التاريخي ومن ينطق باسمه من "الوسطاء"، ونُفيد من مكتسبات فكر الحداثة الإنساني خارج الخطاب الاستشراقي الكولونيالي ومن يمثّله من "الوكلاء".
مشاريع الإصلاح سياسية في جوهرها ولكن يُفسدها الانحراف بها إلى استقطابات هووية مقسِّمة وجرّ الدولة ومؤسساتها لتصبح طرفا فيها وميدانا لتجاذباتها العنيفة.
"أصحاب السبت" و"أصحاب الإثنين" يتقاطعان في " الإحياء" ( لا فرق بين إعادة إنتاج ماضينا أو ماضي غيرنا) ، ويبتعدان عن المطلوب وهو " التأسيس"، فروح التأسيس لا تقبل بغير "الفتح المعرفي والتجديد" سبيلا. وقد كانت هذه أولى رسائل الثورة التي لم تجد متلقّيا جيدا.
هذا الموقف المختلف سنعبّر عنه في نصوص قادمة. مؤكدين على أنّ جوهر الخلاف ليس بين مؤيَّد لـ" الحريات الفردية والمساواة" ومناهض لها، كما يريد البعض تصوير الأمر. وإنما الخلاف حول مضمونها. فالتجديد مطلوب استجابة لسنة التبدل والتطور.
كذلك لا معنى لاعتبار طرحها اليوم ليس أولوية، أمام ما تعرفه البلاد من أزمات، فالإصلاح والتجديد حالة مستمرة ومنوال شغّال عابر للسياقات، عند الأمم المنتبهة، رغم ما للسياقات من أثر .
ولا يتناقض هذا مع الاعتراض الشديد على ربطها بأجندات سياسوية وانتخابوية هزيلة ( رئيس الجمهورية) ، فالضرر الذي سيلحقها ( السطحية، والخلط ، واستعجال تمريرها) من هذا الربط أخطر مما قد يلحق من أراد توظيفها. فللإصلاح أثر بعيد المدى على الفرد والأسرة ونظامها والمجتمع وبنيته، فلا بدّ من التحرّي عند صياغته وتنزيله في قالب مشروع قانون.
وبما أنّٰ الحكاية الحالية في قلب التجاذب السياسي، فإنّه لن يكون أمام رئيس الجمهورية في نهاية الأمر إلا الخضوع لتوازنات السياسة على حساب "عملية الإصلاح المأمولة" والإبقاء منها على ما قد ينعش وضعه فقط…وسيُبحث عن إخراج مناسب ( المصلحة العامة) للتخفيف من خيبة الأمل الكبيرة عند البعض، وهي خيبة ستشبه كثيرا الخيبة الناتجة عن التحالف مع حركة النهضة بعد "التصويت المفيد".
ومع ذلك فقد دار جدل مهم حول الأحوال الشخصية والتقرير، هذه الأيام، يمكن أن يكون دربة على "إدارة الحرية"، ويمكن أن تمثّٰل بعض موادّه منطلقا لنص إصلاحي جديد.