إنّ ما أريد تبليغـــــــــــه في مطلع هذه الرّسالة الموجّهة إلى الأستــــــــاذ أنس الشابي، أنّني تردّدت كثيرا في الردّ على مقالاته المتعاقبـــــة في الصحافة التونسيّـــــــة، التي حملت في طيّاتها معنى التهجّـــم، والازدراء بأســـــــــاتذة جامعة الزيتونــــة، فـــــأردت أن أوقفك على حقيقــــــة مهمّــــــة. أنّه ليس بيننا وبينك ما يستوجب هذه الخصومة، فإنّنا جميعا منتسبون إلى ثقافة إسلاميّة واحدة ورؤية فكريّة متجانسة، ومدرسة فقهيّة، زيتونيّة واحدة، وإن كنّا نختلف في قضايا ومسائل تتّصل بهذا البناء الحضاري الإسلامي، وإنّما خصومتنا منصبّة، على من عادانا في ثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا، مع من خالف هويّتنا، خصومتنا مع من يرى أنّ الإنسان – بفعل الحداثة - قد امتلك الإرادة المطلقة، في أن يتصرّف في حياته كما يشاء وكما يريد، خصومتنا مع من أراد عزل الإله من حياتنا وآدابنــــــا، وتسويد الإنسان مكانــــــــــه.
إنّ خلافنا مع الذي يعتبر أنّ فلسفة الدّين والقيم مرحلة تاريخيّـــــــــة بائـــــــــــدة، ظهرت في العصر الميتافيزيقي وأنّنا اليوم في زمان المرحلة "الوضعيّــــــــــة" أو"الإيجابيّة "كما نبّأ بها الفيلسوف الفرنسي أوغيست كونت في كتابه الموسوم بــــــ"قانون الحــــــــالات الثلاث" La loi de trois états وهذه المراحل هي على التوالي: المرحلة اللاهوتيّة ثمّ المرحلة الميتافيزيقيّة ثمّ المرحلة الوضعيّــــــــــــة، بمعنى أنّ الإنسان في هذه المرحلة الثالثـــــــــة، هو الذي يسطّر نظام حياته حسب إرادته واختيـــــــــاره، وأنّه هو السيّـــــــــد في هذا الكون، وأنّ سيطرة القيم الدينيّة قد انقطعت بحلول المرحلــــــــة الوضعيّــــــــــة التي يعتبرها أصحابها "المرحلة العلميّة" وأنّ كلّ ما سبقها من المراحل، سمتها الوهم والخيـــــــال والخوف الذي لا ينقطع من القوى الغيبيّـــــــــــة.
أيّها الأستاذ، يا سليل الزيتونــــــــــة، يا من لا يزال ينبض في نفسه احترام نحن المشــــــايخ، الذين ذكرتهم في آخر مقال حبّرته بعد أن أعلننا "بيـــــــان الزيتونــــــة"، ليست المعركة معك، ولا أخال ثقافتك الزيتونيّــــــــــة تنأى بك عن الاصطفـــــــــــــاف معنا، وتحدو بك إلى الالتجاء إليهم، هؤلاء أنصار الوضعانيّــــــــة (Positivisme) الذين يرون الإنسان مصدر الحق وغايته، المدرسة التي لا تلقى اعتبارا للقيم والهويّـــة والأعراف والطبائع.
إنّ الاقتراحات التي قُدّمت في تقرير "الحريات الفرديّة والمســـــــاواة" كلّها مواضعات لليسار الاشتراكي الفرنسي، منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس ديغول سنة 1968 م، وأنّ ببّغاوات الثقافــــــــــــة في بلادنا يردّدون هذه المخزيـــــــّـــات، التي عارضت الدين، والهويّـــــــــــة، يريدون تغيير الفطرة السّليمة، ولن يحقّقـــــــــوا ذلك،
ففطرة الله لا تتغيّر ولا تتبدّل، لأنّها من جعله ومن سنّته." فلن تجد لسنّة الله تبديلا ولن تجد لسنّة الله تحويلا". فاطر، الآية 43. ورغم ذلك لا بأس أن أجيبك عن اختلاجات وقعت في صدرك، قد يكون لي صادق العزم في الكشف عنها.
أوّلا: قلت في مقالك الأخير في "كشف المستور" بتاريخ 06 جويلية 2018 إنّ دور الجامعة يتمثّل أساسا في التّدريس والتّأطير والبحث وليس في إصدار البيانات المتعلّقة بالشّأن العام، وأنّه قد يكون لأساتذة الزيتونة إبداءُ رأيهم بصفة فرديّة، لا أن يتحوّلوا إلى تنظيم يُبدي رأيا موحّدا على شكل الأحزاب السياسيّة، إلى آخر ما هو قريب من هذا المعنى، وأجيبك بأنّ التيار الفكري الحداثي يستقوي بالسياسيّين، والماسكين بالسلطة، وبالإعلاميّين، وبالشحن الإيديولوجي الذي يمارسونه في الجامعات والمنابر الثقافيّة، يكتبون ويؤلّفون ويغسلون أدمغة الناس، ويقترحون وضعَ قوانين وإلغاءَ أخرى. فهل تظنّ أنّه من المفيد، التغاضي عن ذلك، وتسليم الأمر إليهم بلا مدافعة ولا محاججة.
إنّ الخوف العظيم أن نكون – إن تغاضَيْنا عن ذلك - قد خَذَلْنا ديننا، وأن يؤول أمرنا إلى مساءلة شديدة يوم القيامة، اليومُ الذي هو حقيقة في نظرنا، ووهْمٌ في نظرهم، إنّه لم يبق من حصون الدّين القائمة في بلادنا، إلاّ جامعة الزيتونة، بعد تهميش دور المفتي، وبعد أن أصبح المجلس الإسلامي الأعلى جسدا بلا رأس، وإسما بلا مسّمى، وهيكلا بلا لحم ولا دم ولا أعصــــاب، وكان وَهْم الحداثييــــن أنّ الزيتونة قد انتهت، همُّشت وأنهكت واستنزفت بسياسات مغرضة متعاقبة قادها اليسار الحاقد، الانتهازي، فآل ما توهّموه إلى سراب، فكان حالنا – كما قال أبو الطيب المتنبي :
كـــــم قد قُتِلتُ وكم قدْ مِتُّ عندكــُــــمُ * ثمّ انتفضْــــتُ فزالَ القبرُ والكفـــــــــــــــنُ.
وأمّا رأيي في وزارة الشؤون الدينيّة فإنّها وزارة مهمومة، مثقلة بحاجات إطارها الديني من الأيمّة والوعاظ والقائمين على بيوت الله الذين قصرت أيديهم عن تحقيق حاجاتهم اليوميّة الضروريّة. ولولا إحساس بالدّين في قلوبهم، لا يزال ينبض، لهجروا القيام على المساجد، فجازاهم الله خير الجزاء على استمرار الشعائر في هذا البلد الذي عرف بالسماحة وجميل التديّن.
يا أستاذ أنس: إنّ المنافحة عن الدين، لم تعد فرضا كفائيّا، لأنّ قيام البعض به، لا يُغني شيئا أمام جحافل المتألبين في الداخل والخارج، يحتاج الأمر إلى اصطفاف وتعاون وأن نستلهم الحجج من بعضنا، البعض، وإنّ جامعة الزيتونة هي المعقل الأخير، وإنّه إذا استبيحت، انتهى كلّ شيء ولذلك أصدرنا عن موقف واحد، ورأي واحد، نرجو به ثباتا إلى يوم الدين.
ثانيـــــــا: وأما قولك :"إنّ البيان لم يتوقّف عند حدود ذكر الأساتذة، بل تجاوز ذلك إلى إيراد صفتين أخريين هما "علماء الزيتونة ومشايخها" وتساءلْتَ – ساخرا – من هم هؤلاء "العلماء" وذكرت أنّ هذا التّوصيف لا يحمل معنى التواضع وأنّه لا يصحّ وصف الأساتذة بالمشايخ…" إلى آخر ما ذكرت.
وأجيبك بأنّ هذه الأوصاف "أساتذة و"مشايخ" و "علماء" إنّما هي من قبيل الألفاظ المفردة الدالّة على شيء واحد، أي أنّها تُحْملُ على معنى الترادف لتأكيد شيء أو إثباته، فإن لم تُحْمل على معنى الترادف، اعتبرناها من الألفاظ المتباينة التي تتباين بالصفات، ولكنّ القصد منها شيءٌ واحد، من باب المشاكلة، فإنّنا في سجال مبدئي، حضاري خطير، نحتاج فيه، إلى حشد هذه التّسميات لتقوية مرجعيّتنا الدينيّة، وخلق نوع من الاطمئنان إلى كلامنا عند الناس.
وأقول لك: إنّ لقب "الأستاذ" وإن كان لفظا معربا في لغة العرب فإنّه يدلّ في عرف الناس اليوم، على المتمكّن من علم معيّن، المتحصّل فيه على شهادة علميّة، فإن ترقّى في التحصيل سمّي "دكتورا" وهو المتحصّل على شهادات الدراسات العليا.
وأمّا لفظ "مشايخ الزيتونة" جمع شيخ، وهو في أصل اللّغة: من استبان فيه الكبر، وظهر عليه الشّيْبُ، وهو من جاوز "الخمسين" وقيل هو من جاوز "السّتين" واستعير اللفظ، لبيان طول المداومة في القراءة والتدريس والإقبال على كتب العلم، فكأنّه لـمّا شَاخ في السنّ، شَيَّخَ في العلم، أي تقدّم فيه، وهو لقب عاديّ لا يدلّل على جَهْبَذيّة ولا إمامة ولا تبريز في التحصيل. وليس لجامعة الزيتونة، في شهاداتها "شهادةُ التبريز" رغم استحقاقها لها. كما هو الحال في جامعات الدنيا كلها ولا أراك تستكثر على أهل العلم من الزيتونة هذا اللقب إلاّ أن تكابر فيه.
وأمّا وصفهم بــــ"العلماء" فإنّي أرى في نبرتك معنى الهزءة، لأناس انتموا إلى هذه الجامعة وتخرّجوا منها، كما تخرّجت أنت منها، فلا أرى لك أن تكون عاقّا لها، منكرا لنجابتها، فإنّها لا تستحقّ ذلك، وإنّ الأمر قد حسم. فلم يبق لنا إلاّ هذا المعلَمُ، الذي سنصونه رغم ضعف بهاره واتقاده، فلعلّ الله يبعث إليه من يزيلُ صدَأَه ويلمّعُ شأنه.
إنّ صفة العلم دائرة بين تسميات متفاوتة، أعلاها "العليم" وأدناها "العالم، وأوسطها "العلاّم" أو "العلاّمة" ونحن نعتنا أنفسنا بأدناها، والعلم نقيض الجهل، فلو لم نتّسم بلقب" العالم "لكان ما حصّلناه من الشهائد باطلا، ولكان الذين أجازونا "سفهاء" لأنّهم لم يقدّروا درجة ما حصّلنا، ولكان الذين أجازوك كذلك، لأنّهم هم الذين أجازونا، أو أجازوا أكثرنا، فانظر إلى أي حدّ سيوصلك إيغالك في اللمز، سيوصلك إلى نقض كلّ شيء، وإبطال كلّ حقيقة.
فإن أضيف لفظ "العلم" إلى فنّ ما، زِيدَ في تخصيصه وتضييقه كقولنا فلان عالم بالشرع، أو عالم بالسنة أو بالكتاب، كان الذي حصّله جانبا من العلم، ونحن لا ندّعي معرفة العلوم الفلسفيّة أو العقليّة، وقد يكون تحصيلنا لعلوم الدين باعتبار الكلّ لا باعتبار الفرد، ونحن إنّما تكلّمنا في خصوص ما عرفنا.
ثالثـــــــــا: وأمّا قولك إنّ الشّيخ الزيتوني هو الذي درس وفق مناهج التعليم الزيتوني وحفظ المتون وأجرى امتحاناته على شيوخها وأنّ عدد من بقي ممّن يحمل هذه الصفة، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة..إلى آخر ما ذكرت، فلو كان هذا الكلام صحيحا، لانقطع العلم وضاعت على الخلق الحجّة، ولم يقم بأمر الدّين - بعد هؤلاء الذين ذكرتهم – أحد، فإن للّه عبادا لا يزالون على المحجّة البيضاء، ولو انقطعت المشيخيّة – كما زعمت – وأنّها خلت إلاّ من أفراد قلائل، سيرحلون بعد زمان قصير، فإنّ قائم الشّرع، سيصير – لا محالة – إلى تَبَابٍ، خاصّة وأنّك نزعت عن أساتذة جامعة الزيتونة وسم "المشيخيّة" الذي لا يدلّل في نظرك، إلاّ على الحاصلين على الألقاب العلميّة من جامع الزيتونة المعمور، ولو كان ما تدّعيه صحيحا، لكان المتخرّجون من جامعة الأزهر، ومن جامعة القرويين ليسوا شيوخا ولا تنطبق عليهم "المشيخيّة" وكذلك الحال من الأساتذة والباحثين في الدّين في جميع بلدان العالم الإسلامي، فإنّهم اليوم يدرّسون علوم الدّين في الجامعات الحديثة، وفق المناهج المعاصرة ولم يقل أحد عنهم إنّهم ليسوا علماء ولا مشايخ.
ولقد كانت هذه الألقاب وأمثالها، متداولة بين الخلق من سلف هذه الأمّة وخلفها، فمنهم من جمع من أوصاف العلم أكثر من لقب ومنهم من تفرّد ببعضها، ومنهم من غاص على درر العلم وسبر، ومنهم من تشطّأ، ( بقي في الشاطئ(ومنهم من جمع أكثر من باب من أبواب العلم ومنهم من اقتصر، ومنهم من علم وعلّم و"أعلم" أي صار العلم له علامة.
ومنهم من هو دون ذلك. وفي حديث مسروق بن الأجدع، التابعي الجليل، قال: "لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم فوجدتهم كـــ"الإخاذ"، فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ" (البيهقي: السنن الكبرى ح .(110.
وإنّ جمع أوصاف متّصلة بالعلم، لا يعني أن كلّ من ينتسب إلى الزيتونة هم على وزّان واحد من هذه الرّتب، فإنّ للخلق مراتب لا تنتهي في الدرجات، كما هي مراتبهم متفاوتة في الدين والإيمان والعمل الصالح والفضيلة، ولكن يقتدي آخرهم بأوّلهم، ويتنبّه أدناهم بأعلمهم.
رابعــــا: وقولك: أمّا من ينسبون أنفسهم إلى الزيتونة، افتراء فليسوا منها وإن ادّعوا ذلك، لأنّهم متّهمون بانتحال صفة لتحقيق منافع، لا حق لهم فيها وما أكثرهم هذه الأيّام… إلى آخر ما ذكرت، هكذا إذا، تصدر هذه الأحكام العامّة، الظالمة التي كلّها حقد ونقمة وعنصريّة.
إنّ لفظة "من" ينتسبون إليها افتراء، تفيد العموم، وعلّلت ذلك بأنّهم منتحلون، غاشّون، لأجل منافع، فإن عرف شخص في جامعة ما بانتحال، أو مارس غشّا، أو تزويرا في بحث فهل يعني أنّ كلّ من انتسب إلى تلك الجامعة كان على تلك الهيئة، فإنّه لا يزال في النّاس، في أعصر النبوّات وغيرها، وفي مختلف مظاهر الحياة الإنسانيّة، المدنيّة والبدويّة على السواء، من هو نظيف اليد واللّسان والجنان، ومنهم من هو حالك الدّنس في ذلك فلا تشاغب بالشاذّ على المتكثّر، المعروف.
نعم نحن ننتسب إلى الزيتونة، صدقا وحقّا، الجامعة التي أقررت بنفسك بأنّها قد انتهت فقلت – وبعد الاستقلال تمّ توحيد التّعليم، الأمر الذي أنهى تماما وجود الزيتونة كمؤسسة تعليميّة - وتقولها بكلّ بجاحة، واغتباط، أنّها انتهت تماما، بل أقول لك لم تنته، ولن تنهيَ ما دامت نفوس أبيّة تنبض بالإيمان، وخابت أمانيّك أن يكون هذا الاستقلال الذي ذكرته قد أنهى العلم الشّرعي بتونس، ولن ينبئك في هذا الأمر مثل خبير، فقد جاء في الحديث الصحيح، الذي خرّجه مسلم في كتاب "الإمارة" أنّه لا تزال طائفة من أهل الغرب (وفي رواية من أهل المغرب) قائمين على الحقّ حتّى تقوم الساعة، ويقيني أنّ بلادنا أو طائفة منها معنيّة بهذا المقام، بل جامعة الزيتونة، أو الجامعة الزيتونية كما سمّيت بعد الاستقلال هي وريثة الجامع الأعظم، ولسْتُ مثلك أَنْسِبُ التصرّفَ القبيح إلى الاستقلال – الذي سيبقى رمزا في قلوبنا – أن يكون هذا الحدث قد طوّر التّعليم وحدّثه ووحّده، لا أن يكون أنهاه تماما، كما زعمت، وإنّه من عدم التّوفيق، أن تذمّ الاستقلال من حيث لا تشعر فإنّ العالم الإسلامي، بعد خروجه من الاستعمار والهيمنة العسكريّة احتاج إلى تطوير المعرفة، فأنشأ الجامعاتِ العصريّةَ، بهندسة وعمارة جديدة، وبرامج علميّة حديثة، بإدخال العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة المختلفة المعضّدة للبرامج الدينيّة، فجامعة الزيتونة جامعة عريقة في علومها، حديثة في مناهجها، متطوّرة بما أدخلت من علوم المنهجيّة والإعلاميّة واللّغات العالميّة، جامعة خادمة للحضارة، متساوقة مع التاريخ الثقافي والديني لتونس، ولذلك لـمّا ضعف التّعليم الزيتوني في بلادنا بفعل حملات التشكيك والتغريب والتجفيف، أصابنا – بعد الثورة – جحافل الفرق الغالية والمتشدّدة، فلقد كانت هذه الجامعة سدّا منيعا أمام جموح "الحركة الوهابيّة"، وما تأسّس على مثالها من "القاعدة"، و"الدواعش"، و"أنصار الشريعة" وغيرها، ولم تكن أنت الذي وقفت في وجه هؤلاء، فقد نعلم ما كنت فيه وما جرى اشتغالك عليه، بل نحن زمرة الزيتونة الذين وقفنا لهم، ودافعنا عن مدرستنا.
السنية، المالكية السمحة ولا يعني اشتغالنا بالعلم والتّدريس، أن نكون غائبين عن واقعنا، أو غافلين عمّا يُحاك لنا ويدبّر، لإقصاء قيم الإسلام من حياتنا، فإنّه من البلاهة بمكان أن نشتغل بآخرتنا، ونسلّم دنيانا لغيرنا، ولسنا على منهج النصرانية أن نقول ما لله، لله، وما لقيصر لقيصر، فالكلّ لله: النّسك والأعمال والحياة والممات، خالصا له، وإنّما للعبد قيصرا كان أو خادما، الاجتهاد والبذل والإحسان في كنف الله وطاعته.
إنّ هذا الضّلال في الفكر المسيحي هو الذي أفسد الدّين في الأرض، فكلّ ملحد فيه، يطلب من معتنقي الأديان أن ينجحروا إلى المعابد، حتّى تخلو لهم الأرض لإعلان السّيادة والسّعي بالفساد فيها وإنّما ديدننا قول نبيّنا صلى الله عليه وسلّم : "إنّما جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"، بمعنى أنّ الأرض كلّها صالحة لإقامة معالم الإيمان ومظاهر الدين.