11 أوت و 13 أوت :الأمة الممنوعة عن الحل .

Photo

يمكن أن تقول كمواطن عادي أو نخبة انك لست في 11 أوت و لا في 13 أوت و قد تصف المعركة بالزيف أو الالهاء أو بالمغالطة التي لا تعالج الاشكاليات الكبرى من أبوابها و لكنك في كل الأحوال مضطر الى التسليم بان التجاذب حاصل و أن الفئتين الكبريين في المجتمع استعادوا الخلاف دون أن يكونوا معنيين بتعاليك و قرفك .

11 و 13 هو الجرح الرئيسي في الثقافة العربية المعاصرة و في جدل المجتمع و النخب فيما بينها و في علاقتها بالدولة "الوطنية" العربية ما بعد الكولونيالية التي يتأبد بشكل دراماتيكي تناقضها البنيوي مع مجتمعها نظرا لطبيعة نشأتها و تطورها : "الأصالة و المعاصرة" .. "العقل و النقل" .. "التراث و التجديد" .. "الهوية و الحداثة".. "المحافظة و التغيير" .

نحرف ماركس لنقول ان البشرية لا تطرح فقط المشكلات التي هي قادرة على حلها بل تطرح أيضا المشكلات التي تريد حلها او المشكلات التي تُدفع اليها ذاتيا أو موضوعيا بقطع النظر عن حاجتها الى طرحها أو قدرتها على حلها .

الغريب فعلا أن طائفة 11 أوت مثل طائفة 13 منه.. يعبران بدقة فائقة عن الرئيسي الذي اختزل في أحشائه كل قضايا الصراع في مسار الاصلاحية العربية و المشروع الوطني المتعسرة ولادته منذ ما يقارب القرن .

هذا الرئيسي يبرز اليوم في أجواء الحرية و "ضعف" الدولة "العربية" في أخطر مظاهره استقطابا: تحول دمويا في بعض البلدان و يظهر مكتوما و باردا و صراعا على الحكم و مراكز النفوذ في بلدان أخرى .

هذا الرئيسي يتحول أيضا كما كان باستمرار الملعب الظاهر لكل التناقضات الحقيقية في المجتمع من صراع الطبقات الى صراع الاستبداد و الدمقرطة وصولا الى صراع الوطنية و الهيمنة و الاستقلال و التبعية .

و الأغرب ايضا أن المنطوق الذي نسمعه اليوم من "نخب" طائفتي 11 و 13 يكرر بدقة نفس "الاستخلاصات" التي نسمعها منذ قرن من نخب مدرستي المحافظة و التحديث في جدل الثقافة العربية .انها "الاستخلاصات" التي وصفها الدكتور عابد الجابري بالحصيلة "الفقيرة و البائسة" للسلفي العربي و التحديثي العربي (أنظر " الخطاب العربي المعاصر") انها الاستخلاصات التي جعلته يعتبر "المدرستين" في كتابه "نحن و التراث" مجرد سلفيات متقابلة أحدها يعود لمتن أسلاف الأمة و الآخر يعود لمتن أسلاف الغرب .

الغرابتان أعلاه لا تعفينا من الاعتراف بأن الفسطاطين 11 و 13 يمثلان وحدهما بتفاوت أوراق القوة بينهما أبرز الصوتين في المجتمع و الفكر العربيين راهنا و ماضيا و أن الصوت النقدي الثالث الذي حاول تخليص الثقافة و المشروع الوطني من قطبيتهما ظل أقليا و ضعيفا و عاجزا عن التأثير بما جعل الصراع بين التيارين بمثابة القدر المحتوم الذي سيظل يشق الفكر و المجتمع و يكيف كل الصراعات على ايقاعه ليؤبد الدوران الدائم في حلقة مفرغة يدفعنا ميلنا الى نظرية المؤامرة الى اعتبارها فخا منصوبا لأمة ممنوعة عن حل أي من مشكلاتها في التنمية أو الاستقلال الوطني أو الديمقراطية أو تحرير الارض . اذ بمجرد أن تتقدم في اتجاه واحد من هذه الأهداف حتى يتم تشغيل هذا "الصراع " الذي تتطوع فيه "الطائفتان" بحماس "غريب" و "متجدد" .

11و 13 اوت : جدل الخوف المشروع أو صراع الهويات الخائفة

ليس تلفيقا قولنا ان الجرح الغائر في الثقافة العربية و علاقة النخب فيما بينها و الذي ذكرناه في المقال السابق منذ حين يبرر لفسطاطي 11 و 13 اوت رغبتهما في الاستقواء المتبادل على بعضهما ..أحدهما بالدولة كعادته و الاخر بالمقدس و المجتمع ..مادام الفكر و المشروع الوطني العربي لم يتأسس على قواعد التأليف المطمئنة و التسوية التاريخية الضرورية التي أنجزتها الشعوب التي حققت نهضتها و استقلالها الوطني و قوتها المغروسة في التاريخ و الحداثة في نفس الوقت .

جمهور 11 اوت و نخبه مدفوعة إلى التوجس باستمرار من دولة ،، حداثة مزعومة ،، غطت ضعفها و ارتهانها عبر الاستقواء على مجتمعها من خلال تشكيله ثقافيا و استنزاف كل أشكال مناعته لتتحول ،، علمانيتها،، إلى،، حداثة بوليسية ،، باستبداد شرقي وسيط كما وصفها تباعا عبد الإله بلقزيز و ياسين الحافظ .

جمهور 11 اوت و نخبه يجد مبررات غضبه في الحصاد البائس لدولة ،، الحداثة القسرية ،، و ،، مثقفها الوظيفي،، أو كلب حراستها المطيع باستمرار لدوائر ،، المركز الاستعماري ،، الذي لم ينتج بعد نصف قرن من عمر هذه ،، الدولة الوطنية ،، أكثر من مجتمع هلاامي هش بهوية غائمة لا هي في الأصالة المقاومة و لا في الحداثة الواثقة .

و الحق ان تقرير لجنة الحريات و سياقات صياغته و تفاصيل بعض بنوده و مهما اجتهد افخم المدافعين عليه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه حقيقة استعادته لهذا الدور في ممارسة مزاعم تحديث ليست أكثر من مرحلة أخرى في مسار دولة التحديث الكاذب و التابع بنكهة استعمارية لا يخفى طعمها الشرق الأوسطي الجديد .

في المقابل تتجمع لفسطاط 13 اوت كل مبررات الرعب و الرغبة في الإسراع بالاستقواء بالدولة من جديد في مواجهة ،، تيار هوية ،، هيمنت عليه في السنوات السبعة الأخيرة بوضوح سياقات وهابية مفزعة ظهرت حقيقة فهمها للتغيير و التخلص من ،، الاستبداد ،، كهدم للدول الوطنية و إذكاء المذهبية و إمعان في رجعية مخيفة لا تقبل الاخر و تضيق بالاختلاف .

بين مبررات الفسطاطين يبرز خلف السطور الدور الوظيفي لكليهما و هو دور يعده لهما ،، المسؤول الكبير ،، .

كثير من نخب و جماهير 11 تحولت إلى هووية و أصالة وظيفية في يد المشاريع الاستعمارية و الصهيونية و لم يتمكن ،، الإسلام السياسي ،، بمن فيه الذي ادعى الديمقراطية أن يحصن جمهوره و نخبه من الانخراط في الحرب على المقاومة إذ لا يخفى أن كثيرا من قادة 11 اوت و نخبه المعادية ل13 اوت هم أنفسهم،، أنصار ،، المؤامرة على سوريا .

جنبا إلى جنب مع الوهابية الخلجانية و الدمقرطة الغربية مما يجعل كثيرا من هذا الفسطاط حليفا موضوعيا لكثير من الفسطاط الاخر الذي لا تخفى على أحد ،، حداثته التابعة ،، بل ،، التطبيعية ،، ليكون طيف من الفسطاطين في تبادل وظيفي بعضه باسم الحداثة و بعضهم باسم الهوية .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات