بعيدا عن التوريث والمثلية الجنسية وما إلى ذلك مما كان محل التجاذبات، فإن اللافت للنظر في تقديري أن التقرير تضمن 3 أمثلة على ما اعتبره أحكاما قضائية مخلة بالحقوق والحريات الفردية، وتتعلق ثلاثتها بمقاومة التطبيع، من موقع يخدم التطبيع، نعم.
* المثال الأول، يتعلق بجمعية مقاومة الامبريالية والصهيونية، التي رفعت دعوى قضائية لمنع وكالة أسفار من تنظيم رحلات للقدس. الجمعية استندت في دعواها على الفصل 14 من مرسوم 24 سبتمبر 2011 المنظم للجمعيات الذي ينصّ على أنه "يمكن لكل جمعية [...] أن تمارس الدعوى المتعلقة بأفعال تدخل في إطار موضوعها وأهدافها المنصوص عليها بنظامها الأساسي".
وقد حكمت لفائدتها محكمة سوسة في مارس 2015 بإلغاء رحلتين كانت وكالة للأسفار تنوي تنظيمهما إلى القدس. إلا أن المحكمة الابتدائية بتونس حكمت بتاريخ 16 نوفمبر 2016 بأن لا صفة للجمعية المذكورة لترفع دعوى (ص 83-84) وهو رأي محرري التقرير الذي ورد فيه حرفيا فيما يتعلق بتلك الدعوى "بأن هذا الحق يمكن استغلاله للتدخل في الحياة الخاصة والاختيارات الفردية للغير" (ص 83).
* المثال الثاني، يتعلق بشريط (Wonder woman) الذي رفعت كل من جمعية المحامين الشبان وحركة الشعب دعوى بمنع عرضه (ص 85)، طبقا لنفس المرسوم المؤرخ في 24 سبتمبر 2011، وكان الفيلم قد منع في بعض البلدان العربية منها لبنان والجزائر والأردن، بسبب أن الممثلة الرئيسية (Gal Gadot) قاتلت لمدة سنتين في الجيش الصهيوني. ورفضت دعوى جمعية المحامين الشبان لانعدام الصفة التي تخول لها ذلك. إلا أنه منع عرضه بقبول دعوى حركة الشعب.
* المثال الثالث ويتعلق بميشال بوجناح وكتب اسمه في التقرير بالأحرف اللاتينية (Michel Boujenah) الذي استقدم إلى مهرجان قرطاج في جويلية 2017، وقد رفعت دعوى لمنعه من جمعية (ص 85) لم يذكرها التقرير بالاسم لأنها الاتحاد العام التونسي للشغل، ولم يذكر أن رفضه بسبب مواقفه الصهيونية ومناصرته لكيان عنصري وفاشي. وقد جاء في التقرير أنه حتى لو وقع "رفض دعوى الجمعية، فإن مجرد قيامها... يُشكّل هرسلة للغير وإساءة لصورة الحريات في بلادنا" (ص 83).
ما يهمني هنا هذه الأمثلة الثلاثة التي تدخل في إطار مقاومة التطبيع، والتي اعتبرت فيها الجمعيات التي رفعت دعوى للمنع، غير ذات صفة، وهو ما يعني فتح المجال أمام التطبيع على أساس أنه يدخل في باب الحقوق والحريات الفردية.
وأما مقترح لجنة بشرى في هذا الخصوص فينص على إلغاء الفصل 14 من المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 (ص 128)، حتى تنعدم الصفة لأي جمعية في رفع قضايا من هذا النوع، ولا تتدخل مستقبلا في أي نشاط تطبيعي، باعتبار أن الأمر يدخل ضمن باب الإخلال بالحقوق والحريات الفردية. وكفى الله المطبعين شر القتال.
سؤال: دعاة تجريم التطبيع والمتكلمون عن مقاومة التطبيع من جمعيات وأحزاب، هل قرؤوا التقرير أم لا؟ ما هو موقفهم مما ورد فيه عن التطبيع؟