في الفصل بين الذكاء الاصطناعي وما يترتب عنه من غباء الانسان

Photo

ان الانسان يعيش عصرا جديدا يتحول فيه محور العالم و ينتفض فيه المحور الجديد على الانسان, ينتفض المصنوع على الصانع و المتعلم على المعلم. ان مرورنا من مرحلة اكتشاف اولى التطبيقات الالكترونية ومحاولة تحسينها الى مرحلة اغراق الانسان بالتطبيقات الالكترونية مسالة تبعث على النظر والتفكر.

للوهلة الاولى يرى الانسان ان هذا التطور التكنولوجي هو عامل ايجابي من شانه تسهيل حياته و مساعدته على القيام بحاجياته و ربح الوقت و الراحة على حد السواء, غير ان الناظر المتعمق في احوال اغلب الناس يرى تظور علاقة الانسان بالتكنولوجيا و يرى مدى الارتباط الناشئ بين الانسان و الالة.

هذا الارتباط ما يفتؤ يتطور حتى يتحول الى علاقة عبودية لا يستطيع بموجبها الانسان التخلي عن التكنولوجيا من مثل بعض التطبيقات التي يستعملها في حاجياته الاساسية اليومية ولا يستطيع كذلك التحكم في وقته ومثال ذلك الوقت الممضى على منصات التواصل الاجتماعي وما يتولد عنه من مشاعر نفسية تتغير بتغير المحتوى المشاهد وتغير وضعية المتصفح وما يعتريه من مشاعر حين بدئه التصفح.

ومثال ذلك حالات الغبن والحزن التي تلازمه حين يشاهد استمتاع الاصدقاء الافتراضيين خاصة اذا كان في الوضع المضاد لهم من خمول و قعود و وضع روتيني او كذلك حالات الانتشاء و الفرح بمجرد نشر الصور الخاصة او التعبير عن حالة فريدة يعيشها تجعله يتميز على الاخر و تولد لديه شعورا بالرضا العميق.

ربما يقودنا هنا الكلام الى نقد صورة, اصبحت نمطية, هي صورة الانسان الذي يرفض ان يعيش اللحظة و ان يتمتع بما تولده من انتشاء رغبة منه في توثيقها. فيتحول المعيش الى ماض باعتبار ان الانسان قد جانب اللحظة واثر توثيقها دون اي يكون الانسان قد عاش اللحظة حقيقة.

وهنا ربما نجاوب الصواب اذا قلنا بان اللحظة لم تولد في الانسان مشاعر خاصة و فريدة لانه لم يعشها بل ربما ولد فيه تضييعها احساسا جديدا بالفرح و الانتشاء لانه قام بارضائها على الوجه الجديد الذي تفرضه التكنولوجيا. ولكن هذا لا يمنعنا من القول بان لعنة منصات التواصل الاجتماعي قد افنت المعنى واذهبت النشوة فلا يبقى سوى الصور. صور هي بمثابة ذكريات لم يعشها الانسان ولكنه اثر ان يسجلها ليعيد النظر فيها برغم انه لم يعشها للوهلة الاولى. ربما يمكننا القول بانها سذاجة العقل المتطور جدا.

وهنا ننقاد للحديث عن صناعة الذكاء وما يترتب عنها من تبعات على طبيعة الانسان وملكاته وقدراته الذهنية. ان علاقة الانسان بالتطبيقات الالكترونية ترتبط بنتائج استعمالاته الاولى لها. فاذا ما كانت النتائج مرضية خلقت في نفس المستعمل ثقة اولية تنمو مع تكرر استعمال التطبيقة وتجعلها جزءا من حاجياته الاساسية. وكلما تنامت الثقة تقلص اعتماد الانسان على قدراته الذهنية المستعملة في التطبيقة فتصبح الملكة الذهنية خارج استعمال الانسان وتعوضها نتائج التطبيقة الالكترونية.

ومع تقلص استعمال هته المهارة الذهنية يتقلص تمكن الانسان منها ويتراجع مستوى الذكاء المرتبط بهته الموهبة باعتبار عدم استعمالها نتيجة الثقة التامة في نتائج التطبيقة الالكترونية. ومن هنا ينمو الغباء الانساني المرتبط بهته الموهبة.

ومثال ذلك قدرة الإنسان على حفظ الطرق التي ما انفكت تتقلص وتتراجع مع تطور آليات التحديد المكاني فيمكن للمرء أن يزور ذات الموقع مرارا وتكرارا دون أن يتذكر 1/100 من الطريق لاعتماده الكلي علي التطبيقات الإلكترونية و تغييبه قدرة العقل على الحفظ و التذكر و في هذا الاستعمال تغييب لذكاء الانسان وفطرته و عمل على ترسيخ الارتباط الكلي بالتطبيق الالكترونية فيغدو السير بدونها معجزا و غيابها هو غياب لقدرة الإنسان على التنقل و اكتشاف الطرق.

ونتاجا لما سبق يمكن القول بأننا نعيش ظاهرة جديرة بالدراسة و التفكر من شانها ان تبعث جيلا من فلاسفة التكنولوجيا الذين سيبحثون في ماهية الانسان المتطور الذي يعيش في عصر الالة فيسابقها وتسابقه, هذا الانسان المختلف الذي لا يطور ملكاته من حس وتفكير ولا يتحكم في وقته بحسب ما يتماشى مع حاجياته و انما تحركه التكنولوجيا والالة الحديثة فتقوده اينما شاءت. ربما يكون ايضا من مجالات البحث: سبل تحرير الانسان وحثه على استعادة مركزه في محور الكون.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات