شعار خاطئ ليته لم يرفع

Photo

أسوأ ما يمكن أن يرتكبه الديمقراطيون والتقدميون الحداثيون هو أن يدافعوا عن مشروعهم أو مطالبهم بأسلوب يتعارض مع مبادئ الديمقراطية والحداثة والتقدم وروح المواطنة التي تعني بالأساس المساواة بين المواطنين دون تمييز مع اعتبار الدستور الإطار المرجعي الأعلى والجامع لكل المواطنين والمواطنات ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني،

ولعل المثال الأبرز على ذلك هذه الأيام في تونس ذلك الشعار الذي تردد كثيرا ورفع بكل قوة وإصرار بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة ومساندة تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة. يقول الشعار المثير للجدل بكل استخفاف: "لا فتوى لا استفتاء على حقوق النساء".

كان يمكن أن يكون هذا الشعار مقبولا للغاية لو تم الاكتفاء بالتأكيد: "لا فتوى في حقوق النساء"، بل كان يمكن أن يكون أوسع وأعمق وأشمل وأجرأ لو كان بهذه الصيغة " لا فتوى في التشريع" (كعنوان مقال صحفي منشور بجريدة "الوحدة" منذ سنوات كتبته ضد شيخ الأزهر في مصر حين قال إنه لا يجوز للمرأة الترشح لرئاسة الجمهورية)،

أما أن يجمع في نفس المقام بين ممارسة فقهية دينية وبين ممارسة ديمقراطية حديثة أقرّها الدستور التونسي في فصله الثالث: "الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات، يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الاستفتاء"، فهذا بالتأكيد خطأ جسيم مبدئيا واتصاليا وسياسيا.

مبدئيا، الغاية لا تبرر الوسيلة خصوصا إذا كانت نقيضها وقد تنقلب عليها كما أن الشعار المرفوع يسقط بدوره في الخلط المراد تجاوزه بين الدين (الفتوى) والسياسة (الاستفتاء) وكأنه يساوي بينهما، وهو لا يخلو من مغالطة حين يتجاهل مسائل بديهية وهي أن حقوق النساء جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وأن مسألة الميراث من الأحوال الشخصية وقد أكد الفصل 82 من الدستورأن الاستفتاء يشملهما...

واتصاليا لا تبعد النقاش عن بؤرته الأساسية التي هي في صالحك وتتخلى عن سلاحك لفائدة خصمك الذي منحته فرصة مجانية لاتهامك بأنك غير ديمقراطي، بدعوى أنك لا تحترم الدستور ولا تقبل بمبدأ حكم الأغلبية التي لا تثق في كسب أصواتها الرافضة لمقترحك ورأيك والدليل أنك تخشى من الاستفتاء الشعبي…

وسياسيا، أنت تعلم أن الاستفتاء في الدستور التونسي (الفصل 82 والفصل 144) من الصلاحيات الاستثنائية والحصرية لرئيس الجمهورية، وهو الوحيد المخوّل باللجوء إلى الاستفتاء، عندما يتخلى عن حق الرد على مشروع قانون أو تعديل دستور تمت المصادقة عليه في مجلس نواب الشعب،

وبذلك يكون الاستفتاء في تونس ورقة اعتراضية إضافية بيد رئيس الجمهورية مقابل مجلس نواب الشعب، عندما يرى أن ردّه لذلك المشروع لن يكون كافيا لإيقاف المصادقة عليه في المرة الثانية، وهذا غير وارد في موضوع الحال بل العكس،

مع الإشارة إلى أنه بالمنطق الديمقراطي يمكن اعتبار ذلك الاحتكار الرئاسي من نقائص دستورنا الذي لا يرقى إلى مستوى بعض الدساتير الحديثة والأكثر ديمقراطية مباشرة التي تتيح مثلا لعدد معين من المواطنين القيام بمبادرة شعبية…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات