ردًّا على مَن اتّهمني بمعاداتي للدّولة الفرنسيّة العظيمة فيما ذهبتُ إليه من تآمر أجْهزة المُسْتعمر الفرنسي المخابراتيّة على أمن تونس واستقرارها في مقالتي الأخيرة أقول: إنّ أجهزة المخابرات الفرنسيّة، "اليد الحمراء" (La Main Rouge) في تونس والمنظّمة المسلَّحة السرّيّة (O.A.S.) في الشّقيقة الجزائر، قد صفَّت جسَديًا كلّ مقاوم شريف قد تصدّى لمخطّطاتها الماكيافيليّة، وما الشّهداء: فرحات حشّاد (اغتيل في رادس يوم 5 ديسمبر 1952)، والهادي شاكر (اغتيل في نابل يوم 13 سبتمبر 1953)، الأخوان الطّاهر وعليّ حفّوز (اغتيلا بأولاد حفوّز يوم 24 ماي1954 ) ، وعبد الرّحمان مامي (اغتيل في الضّاحية الشّماليّة للعاصمة يوم 13 جويلية 1954)، والمختار عطيّة (اغتيل بتونس يوم 4 ديسمبر 1954)، وصالح بن يوسف (اغتيل بألمانيا يوم 12 أوت 1962)، سوى بعض رموز ضحايا الدّولة الفرنسية المارقة.
والأنْكى من كلّ هذا أنّ دولة الاسْتقْلال قد أعاقت الكشف عن هويّة عناصر هذه المنظَّمة السرّيّة التّابعة لأجهزة المخابرات الفرنسيّة، بعد أن نجح تونسيّ مستَهْدَف –في ربط "باب جديد" بالعاصمة- من قبَل هذا التّنظيم الإجراميّ في تسديد طلقة ناريّة قاتلة لأحد عناصر "اليد الحمراء"، وبعد أن فُتح قبْر العميل الفرنسيّ بإثْر الاستقْلال لمعرفة هويّته قُبِر هذا الملفّ تطبيقًا لتعليمات عُلْيَا تلقّاها المحقّقون في هذه القضيّة.
وبرغم اعترافات عميل الاسْتخْبارات الفرنسيّة أنطوان ميليو باغْتياله للزّعيم النّقابيّ الرّمز، "لأنّ فرنسا لا تريده في دولة الاسْتقلال"، على حدّ تعْبيره، فإنّ الدّولة التّونسيّة لم تحرّك ساكنًا في اتّجاه إعادة فتح ملفّ هذا الاغتيال التّاريخيّ.
وبالأمس القريب اعْترف الرّئيس الفرنسي، فرانْسوَا هولاند، أنّه أذن للمخابرات الفرنسيّة بتنفيذ أربعة اغتيالات متزامنة مع أشْهر اغتياليْن في بلادنا، وسؤالنا هنا يتمحور حول المتّهم الرّئيسي في اغتياليْ الشّهيديْن شكري بلعيد ومحمّد البراهمي، المدعوّ أبو بكر الحكيم كان مسجونًا في فرنسا ووقع اطْلاق سراحه في ظروف غامضة قبيْل الاغتيال الأوّل ليكون الرّأس المدبِّرة تخطيطًا وتنفيذًا للاغتياليْن الجبانيْن...
ومرّة أخرى، وبرغم إعلان وزير الدّاخليّة عن تورّط هذا السفّاح في اغتيال الشّهيد محمّد البراهمي منذ شهر جويلية 2013 لم يعثر أيّ أثر للعميل الفرنسي إلاّ في شهر ديسمبر 2014، وهو "يجاهد" في جبهة مُسْتَهْدَفَة من المخابرات الفرنسيّة، والأرجح أن تكون سوريا الجريحة، تمامًا كما كُلّف بعمليّات تخريبيّة مطلع هذا القرن ( فيما بين سنتيْ 2003 و2004) في العراق المُحتلّ لحساب الدّولة الاسْتعْماريّة الفرنسيّة.
فمتى تتحرّك الدّولة التونسيّة في اتّجاه إعادة فتح هذه الملفّات الوطنيّة، وهو أضْعَف الإيمان، طالما أنّها لم تتجرّأ على مجرّد طلب الاعْتذار من ممستبيح ماضي وراهن الدّولة التّونسيّة، أسْوَة بما فرضته الشقيقة الكبرى الجزائر على الدولة الفرنسيّة، فأذْعَن قاتل المليون ونصف المليون شهيدًا الشّرط الجزائري، مُكرَهًا ذليلاً، أمام كلّ العالم، لقاء جرائمه ضدّ الإنسانيّة في الحبيبة الجزائر طيلة ما يربو عن القرْن ونصْف القرْن.
فهل من منتصر لأرواح شهدائنا في غياب إرادة القائمين على هذه الدّولة على تغريم الدّولة الفرنسيّة لقاء الشّناعات التي اقترفتها في حقّ شعبنا طيلة خمسة وسبعين سنة من الاحتلال المباشر، وفي زمن لا يزال العراق الجريح يدفع فيه تليريونات الدولارات جزية... لمدمّره الأطلسي ؟؟