منذ قليل، رأيت صورة حديثة لوزير سيادة حول مائدة فرعونية، ذكرتني بموضوع عزيز على قلبي في 2008، ذلك العام الجميل الذي قضيته صحفيا في الكاف في أثر صحافة القرب والقصص الإنسانية بعيدا عن السلطة المركزية،
في الكاف حيث ضيافة الوزراء أفحش من ضيافة فرعون نفسه، بعد أن يتولى جماعة التجمع حشد القوادين الذين يبتزون صغار الفلاحين والريفيين لإعداد العسل والكسرة بكل أنواعها والحليب والزبدة والبيض بما يكفي لإطعام قرية، ويصبح مصور التلفزة الوطنية أهم شخصية في الحدث لكي ينقل بدقة الذهول الصادق للوزير أمام الخيرات السبع،
لكن الحقيقة أن الوزير لن يتناول منها سوى لقمات قليلة لأن أغلب مسؤولي السلطة مرضى بالإمساك بسبب رعب مؤامرات السلطة ويخافون نوبات بطونهم كما يخافون وشايات القصر وغضب السيد الرئيس، فأنا رأيت كل تلك الأكلات الشهية الغالية المنتزعة من اللحم الحيّ للريفيين منذ أن ينقلب الوزير تعلب وتعطى لمرافقيه وحراسه ولشوفّرة الوزارة: "لا، عيب ؟ براينية، يروحوا من عندنا بلاش ؟"
لأن الوزير لا ينظر في ما يضعه سائقه في صندوق سيارته ولا محتوى سيارات مرافقيه، ثم يتقاسم القوادون ما بقي من الغنيمة وسط ضوضاء رحيل الوزير المستعجل، ومن ركب مع من، "شكون ركب مع السلطة وشكون منّك" ومن أعد خطبة مديح بطلب من السلطة المحلية لكنهم نسوا نذالته في الفوضى، وعشرات شكاوى المظلومين التي لم يرها الوزير فأخذها أحد الشوفّرة ثم تندر السرّاح الذين وجدوها تذروها الرياح على حافة الطرقات الريفية بأسرارها،
طيب، وزراء السيادة لا يقرأون مثل هذه النصوص، لكن للباقين: تلك الخيرات انتزعت من اللحم الحي للناس الفقراء بسلطة القوادين الذين يستمدون سلطتهم من الدولة، فهي حرام زقّوم سواء أكلتموها أخذا بخاطر الوزير أو جمعوها لكم و"حشموكم" بالأيمان المغلظة المزيفة لكي تأخذوها أو وضعوها دون علمكم في سياراتكم الحكومية،
لذلك لا تستغربوا أن يصيبكم الله بأمراض يحتار فيها الأطباء، موعدكم سبيطار الرابطة لمعالجة الأكل الحرام، حيث يكون متأخرا جدا وغير أخلاقي أن نذكركم بالسبب الأخلاقي لوجودكم هناك،