زمن الاستبداد والرعب التجأت المعارضات إلى العمل السري واعتنقت خيار "العنف الثوري" للإطاحة به؛ ووصمت من اختاروا النضال الديموقراطي والحقوقي والنقابي بالإصلاحيين لضيق هامش حق التنظم المستقل عن المناشدات ورئاسة مدى الحياة....
أعدم بورقيبة اليوسفيين (الجناح العروبي داخل الحركة الوطنية )الذين اختاروا مواصلة الكفاح المسلح بُعيد بروتوكول 20 مارس 1956 تحت شعار "وأد الفتنة اليوسفية" وأعدم لاحقا من تبقى منهم تعذيبا في محارق صباط الظلام... وكذا فعل إثر ما عرف ب"المحاولة الانقلابية" 1962، وكذا فعل إثر ما عرف بعملية "كومندوس قفصة" 1980. (الوطنيون العروبيون واجههم بورقيبة بالرصاص فواجهوه بالرصاص).
اليساريون زمن بورقيبة اعتنقوا نظريا خيار الثورة لكنهم عمليا تغلغلوا أكثر في النقابات والثقافة والإعلام لكن لم يعرف عنهم تفعيل عقيدتهم في العنف الثوري المسلح ممارسة؛ فقط ما يروى عن إمساك محمد الكيلاني أحد قيادات يسار ما سيُعرف لاحقا بحزب العمال ممسكا مسدسا في حديقة البلفدير زمن كان طالبا...
إثر انقلاب سبعة نوفمبر 1987 اعتقل بنعلي مجموعة عسكرية تنسب إلى "الإسلاميين" قيل أنه قطع في وجهها الطريق لأنها كانت تخطط لانقلاب يوم 8 نوفمبر 1987.
كبرى الصحف الغربية آنذاك روجت كون صنيع بنعلي كان انقلابا من داخل مؤسسات الدولة لإنقاذ النظام في مواجهة ما أسمته les islamistes et les pro kaddafistes. لكنه في الحقيقة كان قطعا للطريق في وجه الحراك الإجتماعي المتعاظم خصوصا إثر انخراط نظام بورقيبة في موجة الهجمة اللبرالية الريغانية - التاتشرية فيما عرف ببرنامج الإصلاح الهيكلي لتصفية خيار الدولة الإجتماعية التي سادت في المعسكر الرأسمالي بعيد الحرب العالمية الثانية لقطع الطريق في وجه المد الإشتراكي الذي أعقب الثورة البلشفية....
نفذ بنعلي لاحقا هجمة ثانية فيما عرف ب"مجموعة برّاكة الساحل" نسبها "للاسلاميين" في حين يصر مراقبون أنها كانت عملية لإضعاف الجيش التونسي لصالح نظام بوليسي مرعب.
إثر انقلاب سبعة نوفمبر تنفذ يساريون كثر قي مفاصل الدولة وخصوصا المؤسسة الأمنية والتجمع فضلا عن "الإعلام" و"الثقافة".
في السنوات الأخيرة لحكم بنعلي نفذت شظايا تنظيم القاعدة ضربات إرهابية موجعة استهدفت مراكز حدودية والبيعة اليهودية بجربة وما عرف بعملية سليمان 2006. عرف النظام النوفمبري كيف يستفيد منها لمزيد الانغلاق في وجه مطالب الحركة الإجتماعية والسياسية والحقوقية…
اندلعت ملحمة مواطنية إجتماعية ذات ديسمبر 2010 وأطاحت بنموذج الدولة البوليسية لصالح نموذج لبرالي مكتمل الملامح سياسة وإقتصادا في ظل عجز ملحمة ديسمبر عن فرض نموذجها المواطني الإجتماعي السيادي...
انخرطت مختلف أطياف المعارضة بمختلف مرجعياتها في العمل السياسي العلني القانوني (تنظم حزبي وجمعياتي وظهور إعلامي واحتكام إلى الصندوق الإنتخابي)....
صحيح لم نقرأ مراجعات نظرية عميقة لمختلف ألوان الطيف الأيديولوجي تتلاءم مع خيار الكفاح الديموقراطي... لكننا رأينا انخراطا عمليا فيه... وإن لم تخل البيانات والتصريحات من لغة التحريض على الثورة كلما اشتد عود النضال الإجتماعي في الجهات المغبونة... ورأينا تحريضا علنيا على الانقلابات والتهديد برفع السلاح زمن الترويكا....
ونفذت شظايا القاعدة المدوعشة ضربات موجعة لتونس الثورة مستفيدة من الظرف الإنتقالي وانهيار الدولة في ليبيا؛ إذ نفذت عمليات إرهابية غادرة في حق قادة سياسيين؛ وعسكريين وأمنيين في الجبهات…
ورأينا منابر المافيا تفتح للإرهابيين ممتشقين أكفانهم يتوعدون حكومة الترويكا وخصوصا حركة النهضة بالويلات والثبور…
المطلوب اليوم من كل الطيف السياسي المنخرط في المشهد السياسي الأكتوبري منذ 2011 الكف عن الإزدواجية الخطابية وإعلان الإلتزام بشروط الكفاح الديموقراطي السلمي... ومن حق الرافضين لذلك الإلتزام مفضلين خيار العنف الثوري تحمل مسؤولياتهم في مواجهة القانون المدستر...
وحدها المؤسسة القضائية - في هكذا خيار سياسي جنح إليه أصحابه - موكول لها البت فيمن خرج عن شروط الكفاح الديموقراطي السلمي واحتفظ لنفسه بجناح سري موكولة له مهمات لا ديموقراطية... وليفتح القضاء المدني إذا أمتلك معطيات تدين أي طرف سياسي خالف شروط وأساليب الكفاح الديموقراطي المحتكم إلى البشر في الوصول إلى الحكم وتنفيذ برنامجه السياسي المحتكم بدوره إلى الدستور ... وله الحق في تنقيحه ديموقراطيا بما لا يخرج عن ثالوث المواطنية الإجتماعية السيادية ثالوث المشترك الوطني الشعبي في تونس.
فليكفّ دهاقنة الاستبداد عن مغازلة قوى التنفذ النوفمبري لهندسة واقعة رعب قديمة تحن إلى الانتصاب مجددا... إذ عبثا تحاولون فحتى قوى الهيمنة العولمية أصبحت رافضة لسيناريو حفظ مصالحها استقواء بالنموذج النوفمبري يقينا منها أن الشعوب بعد سبعطاش ديسمبر مصممة على إنهاء جريمة الترويع والتجويع... ويقينا منها أن الاستبداد الهمجي البوليسي هو الحاضنة التي فرخت الرعب الداعشي ومشتقاته…
كفاح ديموقراطي جذري (مواطني إجتماعي سيادي ذلك جوهر وشعارات ديسمبر؛ وأدواته النضالية حق التعبير والتظاهر والتنظم ونزع القداسة عن الحكام فرضتها دماء الشهداء ودسترتها) غايته البشر وأداته البشر... وليقطع القانون أيدي كل انقلابي مندس أيا كانت مرجعيته...