خُتِمت الأحداث السياسية الأسبوع المنقضي بلقاء التأم بين " الحلفاء الأعداء " و بصرف النظر عن طريقة الإعلام عن اللقاء و التي أقل ما يقال عنها هزلية لا ترقى لإحترام بروتكول و أدبيات السياسة العصرية فضلا عن خلط المؤسسات ببعضها و المراوحة بين الحزب و الدولة دون حدود دنيا ،فإنّ اللقاء يحمل في طياته عناوين كبرى يتجه الوقوف عند بعضها بما يوضح فحوى اللقاء بين شيخي السياسة في تونس و يحدد معالم المستقبل القريب للأزمة السياسية…
رئيس الحكومة يوسف الشاهد و حكومته بتركيبتها المتنوعة هو المعني المباشر و بدرجة أكبر بالتحالفات و التوافقات الحزبيّة أكثر من رئيس الجمهورية الذي تصدر في الأونة الأخيرة موجة التصريحات المتعلقة بتحالف النداء و النهضة .. و لكن الشاهد خارج دائرة الصراع الكبير بل هو يقف على فرع من صراع أعمق بكثير من خلافه السياسي مع شق نداء تونس الذي يتزعمه حافظ قائد السبسي .
إعلان رئيس الجمهورية لنهاية التحالف مع النهضة يقابله صمت رئيس الحكومة بما يفيد تواصل نفس النسق في تعاطي الحكومة مع النهضة و الإبقاء على حضورها ببعض الوزراء و كتاب الدولة .. و هذه عينة من الأزمة و الصراع و الذي مهّد للقاء بين شيخي السياسة في تونس.
و يعتبر هذا اللقاء و من خلفه تمسك النهضة بالتحالف بمثابة التقويض القاتل مرة أخرى لمبادرات قديمة تجددت مع تأسيس كتلة برلمانية جديدة ترنو الى عزل النهضة في زاوية بعيدة عن أضواء الحكم ، فبعد ولادة المولود المشوّه ممثلا في كتلة برلمانية جديدة بغير تجانس فكري او سياسي أو ايدولوجي وسط شبوهات تحوم حول أسباب التجمع بين أعضائها و لهدف غير نبيل مؤداه أن ينهي المسار بتجربة خطيرة لا تحترم الإنتخابات و خيار الشعب و هي أن ننتهي الى حكومة بدون أحزاب حاكمة و ما تحمله هذه المبادرة من تقويض للمسار الديمقراطي و تمهيد لبناء صرح الأنظمة الإستبدادية و المسقطة من جديد بعد أن تهاوى و لنفس الهدف إنعقدت الندوة الصحفية للجبهة الشعبية موفرة الغطاء .
هي التهمة التي أصبحت درعا لبقايا المنظومة الإستبدادية تواجه به و من خلفه تضع المؤامرات و الدسائس . و لقد تضافرت الجهود للوصول الى حكومة بلون آخر لا يتجانس مع اللون الشعبي بعد أن فشلت المحاولات البائسة في إقحام المؤسسة العسكرية يأتي دور التكتلات السياسية و دور المؤسسات الأخرى ..
و من ذلك دعوات تنقيح الدستور و القانون الإنتخابي من قبل خبراء معروفين بمعاداة النهضة و بمهادنتهم للإستبداد ليضيقوا حسب ظنهم إحتمالات نجاحها في سياق ديمقراطي . و هي محاولات كما تبينه الأحداث و التجارب المتتالية بمثابة رقصة الديك المذبوح الذي سيستسلم في النهاية للقدر! قطع الطريق لا يعني عدم الوصول !
فغالبا ما وجدت النهضة طريقا آخر … و لقاء راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بطلب من الأول لم يخرج عن هذه البوتقة ، ببعض التسويات سيستمر التحالف لمصلحة الباجي قائد السبسي في علاقة بمركزه السياسي و طموح إبنه و في مصلحة النهضة التي تجد من هذا التقارب مزيد الإنهاك لخصومها و إضعافهم و ربحا للوقت بما يمكنها من تجاوز سياق محلي و إقليمي يهدد كيانها كحركة مصنفة ضمن حركات الإسلام السياسي بأخف الأضرار.
و لذلك فإنّ التسويات محكوم عليها بالظرفية و الهشاشة و هي هامش المرواغة لدى حركة النهضة أحسنت إستخدامه الى حد اللحظة . أما في خصوص المحطات السياسية القادمة فيجدر إبقاء التحالف و توسيعه بإحتواء مزيد الكتل لإستكمال موجبات المحطات السياسية القادمة من ذلك انتخابات 2019 .