الإرهاب والتهريب عمل مؤسسات دولية والإصلاح التربوي ضحية عملية تهريب

Photo

لم يعد الإرهاب والتهريب صنيع "فئة متطرفة" أو "شرذمة ضالة" من مواطنين فرادى زلت بهم القدم أو استفزّهم الطمع في الكسب السريع. بل أصبحا اختيارا واعيا ومنظما لمؤسسات دولية حكومية وعابرة للدول.

فهذا الإرهاب أصبح بديلا عن الاستعمار كأعلى مرحلة في الامبريالية العالمية. الإرهاب اليوم أصبح أعلى مرحلة في الرأسمالية والعولمة المتوحّشة.

بنوك وصناديق دولية ترصد البلدان النامية ذات الأوضاع السياسية والاقتصادية الهشة مثل تونس في مرحلة الانتقال والبناء الديمقراطي، لتقوم بعرض خدماتها عليها، فإذا ما وجدت تمنّعا وتيقّظا من القوى الوطنية السياسية والمدنية والثقافية، التجأت إلى طريقة أخرى غاية في الخطورة والإجرام، وهي التخطيط لعمليات إرهابية تضرب موارد العملة الصعبة في البلدان المستهدفة، مثل السياحة (عمليتا سوسة وباردو مثالا) وتموّل بطريقة ما، ربما استعانة ببلدان عربية خليجية معادية للثورة، هذه العمليات، وبتتالي الضربات وتفاقم العجز والأزمات تأتيها البلاد المستهدفة ذليلة صاغرة تستجديها، فتمعن في إذلالها وفرض إملاءاتها عليها، بما في ذلك إعادة تشكيل المشهد السياسي والتوازنات السياسية بما يخدم أغراضها، فتصبح أحزاب ومدارس سياسية وطنية عريقة طوع بنانها ولاعبة لأدوار مخزية لا تليق بأوزانها الشعبية والأدبية والتاريخية.

ما نخلص إليه من هذا العنصر الأوّل أن اشتداد الأزمة الاقتصادية بتونس والسياحات الحزبية والصفقات السياسية وإعادة خلط الأوراق كلّها أمور غير عفوية وغير داخلية خالصة وأن الجزء الأعظم منها يحاك في مكاتب الدوائر المالية العالمية، التي هي في الحقيقة لصّ عابر للقارات ومجرم دولي يتمتع بالحصانة ويلعب باقتدار دور الحكم والقاضي والمانح، بينما هو لصّ محترف حقير ومجرم خطير.


- أما التّهريب، فسأذكر لكم منه بابا لا يخطر إلا على بال الشياطين أو من نذر نفسه لمقاومتهم والكشف عن كيدهم. وهو باب الإصلاح التربوي.

الكل تابع تلك المحاولات المتعاقبة للإصلاح التربوي من زمن وزارة الأستاذ عبد اللطيف عبيد، انتهاء إلى وزارة ناجي جلول، ومرورا بوزارة فتحي الجراي. لقد التأمت مآت الاجتماعات ونظمت عشرات الندوات وتشكلت أضعافها ورشات وصدرت آلاف الصفحات في هذا الموضوع، سواء من وزارة التربية أو من المجتمع المدني ( مثل اتحاد الشغل، ومثل الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية، والمنتدى المواطني للتربية وشبكة ريفورس، وجمعية تطوير التربية المدرسية، ومنتدى الفارابي…الخ) أو من الباحثين التربويين أو من المربين أو الأولياء، ولكن كل ذلك لم نر له أثرا ملموسا. لقد "اختفى" الإصلاح التربوي وذاب كفص الملح أو تبخّر ….

ومع ذلك نسمع بين الفينة والأخرى عن تأليف منهاج تربوي عام أو إعداد دليل لتكوين المربين على كيفية تطبيق ذلك المنهاج أو وثيقة حول إصلاح الزمن المدرسي…الخ ولكننا لا نرى فاعلين واضحين كل الوضوح لدى الرأي العام.

فأين "اختفى الإصلاح التربوي وأين ذهب"؟ لقد وقعت سرقته من قبل عصابة دولية. تم اختطاف الإصلاح التربوي وتحويل وجهته، وقد فكّك في ورشات "ماسونية" وأجريت عليه تحويرات عميقة، وهو الآن بصدد "التهريب" إلى تونس قطعة قطعة…وبتسهيلات من فاعلين تربويين رسميين وبعناوين مضللة.

الآن القطع الجزئية بصدد إعادة التشكيل في ورشات شبه سرية…وتم السكوت الكامل عن قانون الإصلاح التربوي أو ما سمّي بـ"القانون المتعلق بالمبادئ العامة للتربية والتعليم" (أكتوبر 2016) والنظام التربوي "الجديد" سيجمع بهدوء قطعة قطعة من دون إحداث ضجة وفي غفلة عن البرلمان وعن لجنة التربية فيه، وعن المجتمع المدني، وعن المنظمات الوطنية، وعن التربويين والمربين والقيمين والمرشدين التربويين، وعن الأولياء والطلبة والتلاميذ، من دون الحاجة إلى تمرير قانون الإصلاح التربوي على المناقشة والتعديل والتصويت في مجلس نواب الشعب.

نحن هنا يا سادة أمام عملية تهريب خطيرة، وسرقة خطيرة، إن لم تكن الأخطر في تاريخ تونس المستقلة، لأنها تتعلق بتهريب منظومة صنع العقول والروح والوجدان والذوق والقيم والسيادة الوطنية.

لذلك على القوى الوطنية وعلى الضمائر الحرة الانتباه لهذه الجريمة الاستعمارية الجديدة التي تتم بتواطؤ من حرْكيي الداخل عملاء الخارج، وعلينا جميعا التصدي لها بكل الوسائل المشروعة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات