بما أنه من السهل اتهام المقاولين في البنى التحتية الهشة فأنا أعرف من صغار المقاولين من بلغ مرحلة الجنون وآخرين على أبوابه بسبب تعامل إدارة الدولة معهم، دعك من مسألة الرشوة للحصول على الصفقات فلا أحد ينكرها ودعك من تكسير العرض المالي بالتعويل على الغش في العمل لتخفيض الكلفة،
لكن قانونا، يمنع دفع مليم أبيض إلى أي مقاول إلا بإمضاء مهندس الأشغال العمومية على مطابقة العمل للمواصفات، لنفترض أنك مقاول شريف أنجز العمل وفق المواصفات ورفض الرشوة، فإن تنزيل الأموال لا يتم إلا بالرؤية من سماء البيروقراطية المركزية الجهنمية،
وكثيرا ما يصل المقاول إلى حافة الإفلاس والجنون وربما الهرب مع الحارقين قبل أن تأتي "الزوز فرنك متاع القسط الثاني"، وحين يطمئن لك المقاول سيقول لك إن الجميع يأكل من عنده، باسم المطابقة للمواصفات وباسم "هات البشارة" لما تصل فلوس القسط،
ثم إن المقاولين مقسمون في تونس: من هم متاعنا ومن هم متاع الآخرين، ومتاعنا لا يمكن محاسبتهم بل مساعدتهم على الحصول على الأقساط المالية حتى إن لم تكن المواصفات متوفرة، في النهاية،
صنعت دولة البيروقراطية المركزية مقاولين فاسدين بعلم الجميع واتفاقهم، حتى أن المقاول يقول لك: "30 بالمائة من قيمة أي مشروع عمومي تذهب إلى الجماعة متاعنا، حيث لا أحد يحاسب أحدا، نخدم لهم على قد فلوسهم"،
تيليتون موازي
ولاية القصرين، تاريخيا لا يبكي لها أحد، وجزء كبير من أولادها الذين "شافوا شوية ضوء" هجروها واستثمروا في مدن ساحلية تماما مثل أغلب أولاد ولايات الكاف وسليانة ليس لأنهم ناكري معروف، بل أن دولة الإدارة المركزية تحارب بطريقة خفية كل محاولة لصناعة الثروة أو أسباب الحياة هناك،
بدءا بتردي خدمات الصحة والتعليم وصولا إلى النقل والبنى التحتية حتى "تكرهها وتفد منها"، وذلك يعود إلى موقف بورقيبة عندما اقترح معملا لتعليب التمور في صفاقس فاقترح الجريدية مصنعا لتعليب السردين في نفطة، وعليه، لا توجد أية مطحنة للحبوب في الشمال الغربي، ولا معمل تحويل للغلال أو الخضر، ولا أي شيء أصلا،
لذلك أنا أدعو إلى حركة مواطنية هنا موازية للدولة المركزية، "تيليتون موازي" بالشراكة مع المجتمع المدني المحلي، من أجل القصرين وسليانة والكاف، بعد أن تم التبول علنا على مبدأ التمييز الإيجابي كمحاولة لإصلاح ما أفسدته الدولة طيلة نصف قرن،