بإلقاء نظرة سطحية على بعض المستجدات في الآونة الأخيرة نستشف نوعية حديثة للإستقطاب في تونس ذات الطعم المافيوزي ان صح التعبير ، بين رموز المافيا السياسية تجاوزا لسياق الإستقطاب السياسي التقليدي الذي يكون الباعث عليه برامج إقتصادية و تنموية أو الخلفية الفكرية بين الرجعيين و العلمانيين في شكل أحزاب سياسية متقابلة يعهد اليها تمثيل كل إتجاه …
ما الذي يجعل 51 نائبا من عائلات فكرية متباينة أو بلا بوصلة فكرية أصلا يشكلون مع بعضهم كتلة واحدة؟! هل هو نداء الوطن فعلا كما صرّح أحدهم؟!و ما الذي يدفع سليم الرياحي و نوابه للإنصهار صلب نداء تونس هل هو التوجهات الفكرية و السياسة التنموية ؟! بل ما الذي يدفع الأشخاص للإنضباط و التنظيم داخل هذه الأحزاب ؟! تماما ... هي المصالح الخاصة!
و كل ذلك يعزى الى تشابك عالم الأعمال المتوحش بالسياسة اللّذان أنجبا في المحصلة مافيوزية سياسية و هي الوصف الملائم للمشهد التونسي في مختلف تطوراته . دعنا نقل أنّها الذئاب الجائعة ... إذ هي تتوحد و تتجمع لأجل الغنيمة !!!
فيتوحد المهربون و بقايا أنظمة الوكالة و العمالة و عبدة الأموال ... لإفتراس الشعوب البائسة و الإنقضاض على كل مكتسباتها المعنوية و المالية و لسلبها حتى الأحلام و ربما يفقد الحديث عن الأحلام أي معنى و أي قيمة في هذا المطاف فلقد تحوّل الى كبوس مرعب و دموي ينهش من الأذهان و خلايا الدماغ و يزرع في أحشائها خلية سرطانية قاتلة و إذا بالحلم مركزه هو الرحيل بأي وسيلة و الى أي وجهة ، كل ذلك غير مهم ، فالمحوري في الأمر هو الرحيل من غابة سيطر عليها المفترسون " الرأسماليون " !!!
و كذلك الطموح و الآمال في هذا الوطن لم تصمد إزاء هجمات المستبدين ، و تراجع سقفها فإذا بطموح إبن الوطن هو تسليم نفسه للمفترس بأدنى الأضرار ... عجيب أمرهم !! كلما تيقنوا خطر الفريسة إزدادت متانة التقارب ... أو لنقل كلّما سلكت الشعوب طريق الثورة الكليّة أو الجزئية التي تعدل الموازين دون قلبها تماما إلا و سارعوا في إستباقهم و جعل الطريق حقل ألغام ، مفخخ ينفجر في وجه الشعوب و المضحك المبكي أنّ الأنظمة ذاتها عدوة الثورات تعظنا بالأمن و الأمان و خطورة السير في الطريق التي هي من جعلته مفخخا و لقد وفقوا عبر مراحل في زرع الإحباط و اليأس و وقعت الغالبية في شرك المستبد حنينا و شوقا لإستبداده .
و يجدر أن نسأل أنفسنا بأي تكلفة نريد دحض هؤولاء القادمين من مخابر الأنظمة الإمبريالية ؟! هل بمجرد الهتاف بالشعارات الجوفاء الناقدة أو الساخرة أم اننا سندرس مراكز قوة النظام و مفاصله المعنوية فنحاصرها . أم أنّ النظام أحكم سيطرته على العقول إستباقا لمثل هذه المنعرجات !!
فعلا فالثائر فقير فكريا ... هو عديم نظرة استشرافية و عديم استراتيجية و هو عديم كل ما يتصل بالعقلانية ... الشعب التونسي يعيش التجربة ... تجربة الضياع هذه بين مطرقة ماضٍ يخشى عودته و سندان مستقبل واعد يريده لكنّه محفوف بالجراح و الآلام ،
في النهاية قدره ان يسلك هذا الطريق الشائك ضد ّ بيادق النظام التي تحشد صفوفها و تتوحد محاولة المسك بزمام الأمور من جديد و الطرف هذا في الحقيقة خليط من رواسب الماضي من الذين أضعِفت أعمالهم أو حركت مصالحهم بفعل حزمة الإصلاحات المنقطعة و من مافيا عالم الأعمال و كذلك رموز المصالح السياسية الأجنبية فهي ايضا على الخط و ليست بمعزل عن المطبخ السياسي .