تتحكم في الأذهان عدد من الأوهام تتحول بفعل تكرارها إلى حقائق تخفي الحقائق وتبرر الوهن.
الوهم الأول وهم الدولة العميقة التي تتحكم في الجميع، تعين من تريد وتعزل من تريد، بيدها الحل والعقد ولا راد لتعليماتها. في حقيقة الأمر لا تزيد عن مجموعة من المافيات المالية المتحكم فيها خارجيا والمرتزقة التي سكنها الرعب ولكنها استطاعت أن تملأ الدنيا عويلا وصياحا من خلال إعلام يباع ويشترى بأبخس الأثمان.
الوهم الثاني وهم الخطر الإسلامي. الكثير يعزف على هذا الوتر دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن هذا الخطر وهو خطر زائف بدليل أن أغلب الذين يستثمرون فيه سرعان ما ينقلبون على "قناعاتهم" ويبحثون عن شكل من أشكال التحالف معه باستثناء الجبهة الشعبية التي لازالت متمترسة بمواقف العداء الأيديولوجي في ظاهر الأمر وفي حقيقة الأمر تخشى من أن ينافسها بعض الإسلاميين في الإنتهازية السياسية فتجد نفسها غير قادرة على الإستمرار في لعب دور المعارض للسلطة والمندمج في الدولة، المستفيد من كل إمكاناتها.
الوهم الثالث وهم الإنقلاب العسكري أو "السيسيفوبيا"، جثم على صدور الإسلاميين كابوس الإنقلاب والعودة إلى السجون والمنافي وأغلب مواقفهم محكومة بهذه اليد الخفية التي يمكن أن تضرب في أية لحظة بالرغم من فشل المحاولة على الشاكلة المصرية وبدل أن يفهموا لماذا فشلت ظلوا ينتظرون المحاولة الثانية التي سوف لن تأتي لانتفاء شروطها.
الوهم الرابع، وهم الأطراف السياسية أنها تتحكم في بعضها وهي لا تتحكم في شيء بل محكوم فيها حقيقة لا مجازا بدليل هرولتهم غير المتناسقة لطلب الود الفرنسي والأمريكي، تجمعهم الأعياد الوطنية لهذين البلدين أكثر ما تجمعهم أعياد بلادههم.
الخطر الحقيقي لهذه الأوهام هو إيجاد نخبة، بغض النظر عن لونها الأيديولوجي يحكمها منطق انتهاز الفرصة وتحقيق النجاحات الفردية بأسوء الأساليب. باستثناء النخبة التونسية الأولى التي جاءت عقب انتهاء الإحتلال العسكري والتي كانت مدفوعة بأمل بناء المشروع الوطني، فإن الإنتهازية كانت هي الشعار الأبرز للنخبة الليبرالية في عهد بورقيبة الثاني واستمرت على ذلك والشعار الأبرز للنخبة اليسارية في عهد بن علي واستمرت على ذلك وهناك خشية حقيقية أن يصبح شعار النخبة الإسلامية ويستوي الجميع في الرداءة، طبعا أستثني من ذلك من تمسكوا بمبدئيتهم من كل الإتجاهات ولهم مني كل التقدير والإحترام وعليهم وبهم يتجدد الأمل.