بليغة هي دروس تجارب العدالة الانتقاليّة من حولنا (جنوب إفريقيا، الأرجنتين، المغرب ،البرازيل)، ومفيد الاطلاع على مآلاتها، وأبلغ منها شروط مشهدنا السياسي:
- عودة "الجلاد" إلى الحكم في وقت قياسي وبـ"الانتخاب" (إعادة انتشار السيستام وتمددّه بدل تفكيكه)، ومحاولات إرساء مسارات موازية أو بديلة ( قانون المصالحة الإدارية/السبسي، مبادرة العفو العام/الغنّوشي).
- قسم لا يستهان به من الضحايا أصبح ممثلهم السياسي (النهضة)، جزءا من منظومة الحكم.
- غياب المشترك والانخراط في تجاذب سياسي مدمّر يدفع ببعض الجهات الحزبية إلى مناهضة مسار العدالة الانتقاليّة لمجرّد أنّه قد يخدم غريما إيديولوجيا.
- غياب معارضة وازنة : عناوين حزبية صغيرة ، لا تمكّن مبدئية بعضها من تعديل المشهد، وبعضها الآخر يمد يده خفية للسيستام، ويتقاطع بعضها الآخر معه في القضايا الأساسية.
- أزمة حكم، وأزمة اقتصادية ومالية متفاقمة، وقرار "وطني" مختطف ( تأثير مباشر للسفارات).
لكن يبقى أمام مسار العدالة الانتقاليّة كثير مما تحقق إلى الآن:
- دسترة المسار وتقنينه.
- الانتهاء من التحقيق والتدقيق في عشرات آلاف الملفات ، والاستعداد لإصدار التقرير النهائي.
- إحالة بعض ملفات الانتهاكات الجسيمة على القضاء المختص.
- شخصية رئيسة الهيئة.
- دعم دولي حقوقي وقانوني أوروبي (منظمات المجتمع المدني خاصة).
في ظلّ هذه الشروط، يبدو أنّ أقصى ما يمكن أن يبلغه المسار هو تحقيق الاعتراف وجبر الضرر. ولكن دون محاسبة تبقى المصالحة غير ممكنة، ويبقى جرح الضحايا مفتوحا.
من المهم الإشارة إلى أنّ مسار العدالة الانتقاليّة يتّجه إلى أن يصبح مسارا سياسيّا مستقلا عن مسار الانتقال الديمقراطي المتعثّر.
هل ستحدد نتائج انتخابات 2019 مصير التجربة (اللجنة البرلمانية التي ستوكل إليها مهمة متابعة تطبيق توصيات تقرير الهيئة النهائية)، أم أنّ لمسار العدالة الانتقاليّة، وهو المعطى الوحيد المذكر بالثورة، القدرة الذاتية على الاستمرار وبلوغ الغايات؟