فصول من المشهد السياسي

Photo

اتحاد مختطف من قبل قيادة تأتمر بأوامر السبسي (فرنسا). والهدف إسقاط الحكومة وعزل الشاهد، وإرباك الانتقال الديمقراطي المتعثّر، وشطب شروط الاستحقاق الانتخابي في 2019.

نحن بإزاء عملية قطع طريق أخرى من قبل قيادة نقابية لم تخرج عن الدور الذي كانت مكلفة به من قبل بن علي. كانت جزءا من نظام بن علي توفّر الاستقرار الذي يطلب، وهي اليوم ذراع من أذرعة السيستام وأحد عوامل الأزمة المالية والاقتصادية وتدهور المقدرة الشرائية، توفّر التوتر الذي يطلب. ولا عبرة بالحديث السطحي المجترّ عن المقدرة الشرائية والزيادة في الأجور التي تذكّر بفزّورة "خالتي مباركة وقفّتها".

رئيس الجمهورية المنحدر من ثقافة الاستبداد والدولة الجهوية أصبح، بعد هزيمته الأخيرة وعملية تصحيح النظام السياسي بما يوافق الدستور، يردّ الفعل ثأرا شخصيا وتقاطعا مع أجندات داخلية وخارجية تقدّر أنّ الديمقراطية مضرّة بمصالحها ووجودها. لذلك هو أخرج كل أوراقه تقريبا: ورقة الاتحاد، التنظيم السري، قانون المساواة، وزيارة بن سلمان بما هي تلويح بالانخراط المعلن في محور الانقلاب والثورة المضادّة والتطبيع الشامل(صفقة القرن).

وارتبط اللّجوء إلى هذه الأوراق بثلاثة أحداث سياسية: التصويت على منح الثقة لوزير الداخلية، إنهاء سياسة التوافق، والتحوير الوزاري.

الفرز الرئيسي اليوم ليس اجتماعيا لأن الطبقة السياسية فشلت في توفير الشرط السياسي ( استقرار النظام الديمقراطي)، باعتباره الشرط الأساسي في تجاوز الأزمة.

الفرز اليوم على قاعدة الموقف من الديمقراطية واستكمال الشرط السياسي المطلوب وحالته المثلى توسيع قاعدة الحكم للشروع في الإصلاحات الضرورية مقدمةً للخروج من الأزمة. ويمثل التحوير الحكومي وسياقه خطوةً في هذا الاتجاه، وعمليةَ تصحيح للنظام السياسي الذي انقلب عليه السبسي وحوله إلى نظام رئاسوي.

صراع بين موقف يعتبر تأسيس الديمقراطية واستكمال بناء مؤسسات النظام الجديد إجراءات تخدمه، وموقف يعتبر أن حالة اختلال التوازن في المشهد السياسي لا تخدم إلا خصمه التاريخي وأنّ كل استحقاق انتخابي في ظل المعادلة الحالية لن يخدم إلاّ الحزب الأكبر والأقوى مؤسسات وهيكلة.
في ظل هذا يظهر موقف الجبهة التي لم تغادر "وظيفيّتها" مريحا، فهي في مكانها الذي بنته لنفسها "تاكل في خبيزتها" ولا سيما الاستثمار في دم الشهيدين الذي مازال يدرّ غنما معتبرا. وقد جعل الاستثمار في الدم وما يوفّره من عطّ وفير الجبهة َقبلةَ كثير من الغنائميين ( هيئة الدفاع عن الشهيدين فاق عددها المائة).

يبدو موقف القوى المعارضة المحسوبة على الثورة والتيار الديمقراطي الاجتماعي مثيرا، فمنها من حاول الخروج من جلده بالتشبه بالجبهة والمرافعة المجانية عن السبسي (بعنوان الدفاع عن المؤسسة) ولكن لم يعرفه أحد، ومنها من لازم الحذر وحاول بناء معادلة صعبة بالتوفيق بين الموقف الحار من التحوير الوزاري والموقف البارد نسبيا من الإضراب ( دعم الشغيلة والسكوت عن قيادة الاتحاد ).

بعض الواقعيين من متابعي الشأن العام انتظروا انتباها من المكون الديمقراطي الاجتماعي لعملية تصحيح النظام السياسي وقد كان هذا المكون أكثر المشهّرين بانقلاب السبسي وخروجه عن الدستور. في حين توقّع بعض أصحاب الخيال السياسي الواسع مشاركة بعض ممثلي هذا التيار في حكومة الشاهد، بعد أن أصبح رئيس حكومة ( كما طلبوا منه)، وبعد تصحيح النظام السياسي بما يوافق الدستور، وبعد انسحاب النداء من الحكومة.

وكانت هذه المشاركة، لو حصلت، حدثا سياسيّا كبيرا يهزّ المشهد الراكد ويدعم المسار الديمقراطي. ويعطي فرصة انبعاث جديد، لعلها الأخيرة، لمن هو بصدد التلاشي كالحراك.

بعض البسطاء منهم يذكرون بطفولية بأنّ النداء مازال في الحكومة لذلك لا يمكن أن يشاركوا، وكأنّهم لا يشاركون معه في المجلس وفِي لجانه جنبا إلى جنب، فهل المشاركة مع النداء، من حيث المبدأ، في لجان البرلمان هي غيرها في الحكومة؟ وماذا يعني أن ترفض النداء نظريا وتلتقي مع أنس حطاب وسفيان طوبال ورموز النداء في خصّة باردو، ولا ينقص المشهدية إلا الروز ومحسن مرزوق ووزراء النداء ونوابه الذين لبوا نداء الشاهد "من الحشمة وبرّه".

وينبّه آخرون منهم إلى أنّ المشاركة تعني تحمّل تبعات خمس سنوات من الفشل، ولكنهم يتناسون أنّ الشجاعة السياسية تنبههم إلى أنّه ليس لديهم ما يخسرونه وقد صاروا لا شيء وبلا وزن تقريبا وبلا موقع مميّز وبلا موقع مميّز ، فضلا عن أنّ الشجاعة نفسها يمكن أن تلهمهم إلى أنّهم خارج العنوان السائد بين القوى حكما ومعارضة وهو "لمن نحمّل الفشل؟" ويستظلّون بعنوان سمته التحدّي "كيف نشرع في تجاوز الفشل؟"، وفِي ذلك كسب سياسي وأخلاقي جمّ وتحمل للمسؤولية رغم ما يحفّ بها من مخاطر.

ساهم التحوير الوزاري في "تمشكاية الكارطة" من جديد، مما جعل تشبيه "تجمع باردو"( جاء الإضراب ردا على التحوير) بـ"اعتصام باردو" غير دقيق فالنداء منقسم بين الخصة والبرلمان ومرزوق صاحب براديڤم "الدم الأحمر والدم الأسود" أبرز الغائبين عنها ، إلى جانب انقسام الصف الثوري، فالحراك والتيار التحقا بالخصّة. والثابت في الاعتصام والتجمّع هو الجبهة والنهضة فقد حافظ كل منهما على موقعه الأول، ودون انقسام، إلى حدّ الآن.

لو نزعنا النهضة وكتلتها البرلمانية من المشهد قد نكون أقرب إلى "نظام بن علي من غير بن علي ومعارضة حقوقية تدافع عن مربع صغيّر للحريّة".

انتزاع الحرية ورفع سقفها حدث ثوري قد يتمّ بقوة محدودة وفاعلة مثلما كان عليه انتفاض الشبيبة في البلدات المفقّرة، ولكن تأسيس الحرية عملية مضنية ومعقدة وممتدّة تتطلب قوى سياسية وازنة وحاضنة اجتماعية عريضة وخزانا بشريا ضخما ورؤية استراتيجية ودعما لوجستيا معقّدا وليس مجرّد عناوين حزبية محدودة وفرق عمل سياسي ما لها من قرار.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات