أصدرت هيئة الحقيقة والكرامة يوم الجمعة الفارط تقريرها الخاص بضبط المقاييس التي سيتم على أساسها جبر الضرر المادي لضحايا الاستبداد. ومع صدور هذا التقرير عادت الحملة المسعورة ضد التعويض المادي واعتبار من يطالبون بحقهم في التعويض انتهازيين ولا يحق لهم ذلك... وبهذه المناسبة أود إبداء بعض الملاحظات:
1) التعويض المادي لضحايا الانتهاكات في عهود الاستبداد هو حق مشروع يقره القانون التونسي والقانون الدولي وهو يعتبر من جوهر العدالة الانتقالية.
2)جبر الضرر والتعويض المادي للضحايا لن يستفيد منه الضحايا فقط بل ستستفيد منه عائلات هؤلاء الضحايا وخاصة الأبناء الذين حرموا من عيش حياة اسرية عادية ومنهم من يعاني من مخلفات نفسية وجسدية خطيرة ومزمنة ويفتقرون لأبسط مقومات الحياة الكريمة ومنهم من لم يتمكن من مواصلة دراسته وكل هذا بسبب منع والده من العمل وتحصيل عيشه.
3)لقد ركز الاستبداد في قمعه للمعارضين لنظامه باختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية على جعل هؤلاء مثالا للفشل الأسري والاجتماعي حتى يكونوا عبرة لكل من يفكر في معارضة النظام… وجاء جبر الضرر كي يعيد الاعتبار لهؤلاء الضحايا ويجعل من قيمة النضال ضد الاستبداد ورفض سياسة الأمر الواقع حقا مشروعا لا يقود بالضرورة للفقر والخصاصة والتهميش.
4) رفض التعويض المادي من طرف بعض المتمتعين بالعفو التشريعي العام من رموز الحركة السياسية والجمعياتية هو موقف نبيل ويمكن أن يساهم في نشر ثقافة التضحية ونكران الذات لكن هذا لا يجب أن يحجب عنا أن بعض ضحايا الاستبداد في حاجة ماسة للتعويض المادي لتحقيق الحد الأدنى من حياة أسرية عادية نظرا لجسامة ما حصل لهم ولعائلاتهم.
5)الذين لم يتعرضوا للانتهاك وخاصة أولائك الذين كانوا مساندين للنظام الدكتاتوري والاستبدادي وأحيانا شركاء له في القمع المسلط على الشعب لا يحق لهم الخوض في هذه المسألة وإذا كانوا غيورين على المال العام فيمكنهم التضحية برواتبهم وبوضائفهم مثلما فعل ضحايا الاستبداد الذين حرموا لسنوات عديدة من وظائفهم ورواتبهم ظلما وعدوانا.