بلا كوابح

Photo

لم تقنعني التفسيرات التي تحاول أن ترجع الحقد اليساري على النهضة إلى العامل الأيديولوجي والإرث التاريخي مع الإتجاه الإسلامي على أهميتهما وهنا لا بد من التمييز بين أمرين. الأمر الأول الحديث عن التوجه العام يؤكد وجود شخصيات يسارية شريفة مناضلة ومبدئية. الأمر الثاني هناك فرق بين التهجم على النهضة وبين نقدها فليس هناك فكر أو ممارسة لا تخضع للنقد والمساءلة.

اليسار وتحديدا اليسار الإيديولوجي لا يعيش عقدة مع النهضة كما يعتقد الكثيرون، تلك مجرد واجهة ليس إلا، ولكنه يعيش عقدة مع ذاته وتاريخه. في لحظة فارقة من تاريخ تونس ضحى اليسار بشرفه النضالي وقدمه قربانا للديكتاتورية بتعلة ضرورة التحالف مع البورجوازية لمواجهة الظلامية.

وبالرغم من أنه سرعان ما اكتشف بعد ذلك أنه تحالف مع الإقطاعية السياسية والمافيات المالية لم يكن بإمكانه التراجع خاصة وأن نظام بن علي قد أوكل له مهمتين قذيرتين، مهمة التضليل الإعلامي و مهمة القمع الأمني. مهمتان كانتا محور نضاله ضد النظام البورقيبي.

لا يريد اليسار لهذا التاريخ الأسود أن تنكشف حقائقه للشعب لأنه يعرف أن في ذلك نهايته و كل اقتراب للنهضة من مؤسسات الدولة سيعرضه للكشف عاجلا أم آجلا ولذلك عمل كل ما وسعه حتى ولو استدعى الأمر إلى تصفية بعض من عناصره واتهام النهضة بذلك.

لم يكن اليسار قادرا على مراجعة مواقفه لأنها لا تتعلق بالخيارات السياسية أو الفكرية ولكنها تتعلق بانتهاكات عميقة لحقوق الإنسان، تتعلق بعهر من النوع السياسي يصعب محوه.

من ناحية أخرى يشعر اليسار أن ثقافة الإنتهازبة السياسية التي استشرت بين كل الأحزاب ستزاحمه في مواقع نفوذه و لم يعد هو الوحيد المؤهل للقيام بالمهمات القذرة.

هذه التدوينة مستوحاة من أحاديث في العمق مع عدد من الأصدقاء اليساريين الشرفاء ممن اشتركنا معهم متنازعين في زمن النضال الطهوري.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات