تحولت في سرعة قياسية "السترة الصفراء" من لباس وجب توفره عند كل سائق فرنسي لارتدائه وجوبا عند الضرورة، إلى راية أو بالاحرى رمز لحركة احتجاجية ذات بعد اجتماعي بدات تتخذ او هي صارت ذات وجه سياسي يطالب في أدناه بتغيير جذري في سياسات الحكومة وفي اقصاه بقلب النظام ذاته…
وجود السترات الصفراء بهذا العدد لدى السائقين علامة على الانضباط الحضاري الذي يسود في فرنسا سواء من باب الاقتناع بجدوى هذه السترات او الخوف من سطوة القانون وشدة عقابه....
نقل التجربة الى تونس (مثلا) في بلد لا يمتثل فيه اغلبية السائقين لقوانين المرور، وفي حال الامتثال يكون الامر خوفا من عصا الرقيب اكثر منه عن قناعة وانخراط طوعي في مشروع حامل لقاسم مشترك بين السلطة والمواطنين، ترف فكري وشطحة من اصابهم داء "التقليد" الاعمى عندما يحاكي الضعيف القوي في سائر شؤون عيشه.
اولا: العولمة وانعدام الفوارق المعرفية بين الشعوب، لا يعني نقل التجارب بمنطق نسخ/لصق والقول بحتمية نجاحها في الحالة الثانية بدليل نجاحها في فرنسا.
ثانيا: رغم ضعف او اهتراء الادوات السياسية الوسيطة مثل الاحزاب والنقابات في فرنسا تكوّن وعي شعبي بما هي الاشكاليات الوطنية المتجاوزة للمشاكل الفردية، مما يعني ان الامر يتجاوز التعريف الطبقي الماركسي/التقليدي الى قرف شامل يطوي بين جنباته لفيف من الطبقة المتوسطة غير المعنية مباشرة بالفقر وان كان مسها مثل غيرها تراجع في القدرة الشرائية…
بالمختصر: الفقر ليس ذاته في الحالتين والوعي به كذلك…