مصاعب و توترات و احداث و الم تمر به البلاد منذ هروب بن علي لا تجعل مواقفنا تصاغ بما يجب من برودة العقل فيتوتر بعضنا احيانا و يغريه الاستقطاب و زعم امتلاك الحقيقة فيصم اذنيه عن سماع المختلف .
نفس المصاعب و التوترات و الالام تجعلك حينا اخر مدفوعا الى برودة العقل و تنسيب موقفك لتسمع الاصوات المخالفة و تشعر بمسؤولية الوطن فتذهب الى منطق محاولة التسوية بما ينفع وطنا لن يكون وطنا إلا بجميع اصواته و تنوعاته على قاعدة مشترك قوامه حرية و كرامة و تعدد و تنوير .
تمعن في منطق التسويات و تدوير الزوايا حتى يرى البعض انك تذهب الى طوباوية حالمة و يلومك على لطف مبالغ فيه مع فاسدين و ازلام جلادين لن تكون معهم تسوية و يرى اخرون من بقايا منظومة مهزومة في ميلك للتسويات انه ضعف للفكرة الجديدة و انكسار لمنطق الثورة و استسلام لردة منتصرة فيطلون برؤوسهم في وقاحة لا تستقيم مثل ذيل كلب لا يهذبه بقاؤه في قصبة التاريخ بعد سنوات من هروب سيده المخلوع .
عندما كتبنا و تكلمنا في سنوات الاستقطاب بين 2012 و 2013 على خطا وضع الذمة على بقايا المنظومة في جبهة ،، انقاذ كاذبة ،، لم تكن إلا اعادة رسكلة لأبشع بقايا الفساد و الاستبداد ..عندها لامنا كثيرون و زايد علينا اصدقاء احتكروا لأنفسهم صفات ،، حداثة ،، و ،، ديمقراطية ،، و ،، تقدمية ،، نعرف انهم اقل من المزايدة فيها علينا و ذهب بعض ،، المزيفين ،، الى الوصم البائس لنا بالانحياز ،، للخوانجية ،، على اساس انهم كانوا وقتها يأكلون الرز و الفاكية مع ،، غيفارا ،، او ،، مونتسكيو ،، ...ثم تأكد ما قلناه و اكتشفوا انهم مجرد اكباش نطيح لا من اجل ديمقراطية و لا حداثة و لا وطنية و لا مدنية بل من اجل تبييض و رسكلة لبقايا لا تستقيم مثل ذيل كلب و لو بقي في قصبة لسنوات لان ثقافتهم و عقلهم العميق تسلط و فساد .
حين نقدنا بعد 2014 توافقا مغشوشا دون نصوص توضيحية و سردية جديدة يراجع فيها الجميع مواقفهم و يصوغون مفردات التسوية التاريخية و حين نقدنا الخيارات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و حتى الاصطفافات الدولية مع محور العمالة و التطبيع انصب علينا النقد بتهم ،، الثورجية ،، حينا و تهم المذهبية و الطعن العقائدي حينا اخر من حلف النهضة / نداء . و صمت اكباش النطيح مندهشين و هم لا يفهمون مثلما لم يفهموا ان رفضنا لخطا الاستقطاب بعد 2011 لم يكن اصطفافا للترويكا وقتها بمنطق قطيعي بل كان في سياق رؤية شاملة ثابتة و بوصلة دائمة ظللنا نرددها باستمرار و لكنهم لم يروا منها إلا اننا لم نكن معهم في برنامج ،، ضد الخوانجية ،، الذي لا افق له الا سطحيته و تبسيطية تصنيفاته التي لا تعبئ و لا تنتج مفردات متميزة للمشروع الوطني و الديمقراطي الذي نزعم اننا نملك نصه الشامل بعيدا عن ثنائياتهم البائسة .
في سياقات الحنين الى سهولة التناقض و الاستقطاب السهل تطل من بين الصفوف المتقابلة مرة اخرى نفس ردود الافعال الغريزية التي تريدك ان تصطف الى احدى الجبهات المتقابلة لأنها لا ترتاح الى كفرك بمطلقاتهم و لا تفهم ميلك الى تنسيب تفرضه القراءة العميقة لأخطاء و سيئات كل السرديات التقليدية و الانساق القديمة مهما حاولت التنازع بينها على ان احدها هو مالك الحقيقة المطلقة .
بنفس روح النص الجديد للمشروع الوطني الجامع نقول ان كل الاطراف المتنازعة من التيارات و الشخوص التي تنسب نفسها الى احزاب ،، الدولة ،، الى الاسلاميين و اليسار و العروبيين و الليبيراليين ..كلها و بلا استثناء يقوم في داخل كل فريق منها خطان كبيران ..خط شخوص و اسماء اقتنعت بتونس المتعددة و الديمقراطية و الطامحة الى استقلال القرار الوطني و بناء الدولة العادلة بلا فساد و لا استبداد ..
في هذا الخط يتواجد ضمنيا او علنيا افراد و مجاميع فيهم الدستوري او اليساري او الاسلامي او العروبي او الليبيرالي رغم عدم دقة هذه التصنيفات في عصر انكسار الاقانيم التقليدية . و في المقابل يقوم خط اخر يمثله افراد و مجاميع يسكنها من كل التيارات نزوع الاقصاء و المواجهات و ادعاء امتلاك الحقيقة و الاستعداد للاحتراب من اجل تونس الاستبداد و التفرد مهما كان ثمن هذا التفرد و استئصال المختلف و لو كان تنازلا عن السيادة و تامرا على الوطن مادامت النتيجة قهر الاخر و الاستفراد بالبلاد .
ضمن هذه الرؤية نقارب و نقيم و لنا كل الاثباتات بان التصنيفات التقليدية بين فسطاط خير مطلق و فسطاط شر مطلق هي تصنيفات مغلوطة بل مجرد حيلة لإجبارك على الانحياز المغلوط .
هذه الرؤية لا ترضي ابدا هواة الحروب بكل الوانهم فهم يلتقون جميعا على وصمها بالمثالية و الحلم لأنه لا يرضيهم إلا احتراب بين انساق يستأصل بعضها بعضا اما كسر معادلة الاحتراب نفسها فكريا و سياسيا من اجل مشروع وطني جامع فليس في خطة من يريد لاوطاننا ان تبقى محرقة للأفكار و القيم الجامعة و ساحة حروب ايديولوجية و عرقية و مذهبية لمنعها من بناء ما به تمكنت الشعوب الناهضة من النهوض و الاستقلال : وحدة وطنية على قاعدة حرية و كرامة و خيارات مقاومة لاملاءات استعمار لا تقارعه الان إلا شعوب وحدتها نخبها الوطنية التي صاغت مشتركاتها .
على هذه الفكرة اشتغلنا و نشتغل و لن ترهبنا وحشة طريق و لن تغرينا نجومية ارضاء الرداحين من هنا او هناك .