يبدو ان ما وقع في مدينة سبيبة من ولاية القصرين قد مر مرور الكرام أو بالأحرى مرور اللئام... مجموعة مسلحة يفترض انها جماعة إرهابية تنزل من الجبل لتستولي على سيارة وتخترق شوارع المدينة نحو فرع بنكي، تمارس الإحتطاب العلني وتغنم أموالا طائلة، ثم تخترق المدينة نحو منزل الشهيد العسكري سعيد الغزلاني لتغتال أخاه خالد الغزلاني، ثم تنسحب نحو احراش الجبل تاركة السيارة عائدين إلى قواعدهم سالمين غانمين.. وهو ما يجرنا لتقديم بعض الملاحظات:
* وقعت هذه العملية الإرهابية في وضح النهار، وهي عملية مركبة من حيث التنفيذ لأنها نوعت من اهدافها من حيث الإحتطاب والإغتيال، وهذا يفترض تخطيطا محكما يتطلب دعما لوجيستيكيا من الخلايا النائمة حين نشطت في تمكين المنفذين من كافة المعلومات بالحالة الأمنية لأمكنة التنفيذ، ورصد الأهداف وحمابة المنفذين خلال التنفيذ والإنسحاب.
* تفاعل المؤسسة الامنية لم يكن في مستوى الهجوم، لأن العملية الإرهابية تطلبت زمنا قياسيا يتجاوز نصف ساعة، وهذا يعني ان السيطرة الامنية على الميدان لم تكن كافبة، خاصة إذا وضعنا في الحسبان أن منطقة القصرين هي منطقة تأهب أمني وهي منطقة ساخنة بإرهابيي الجبل وإرهابيي المدن، فهل يمكن القول ان منطقة القصرين صارت خارج السيطرة، وصارت سهلة المنال للعمل الإرهابي..
* إن الخارطة الجغرافية لإرهاب الجبل تفترض أن تكون للمؤسسة الامنية والعسكرية تصورا شاملا لقطع الصلة بين إرهابيي الجبل والخلايا النائمة في المدن، وهذا يتطلب تجهيزات إستخباراتية لرصد سبل الإتصال بين المدينة والجبل، وتجهيزات عسكرية وأمنية متطورة لتحقيق سرعة التدخل، وفاعلية الملاحقة ساعة الإنسحاب.
* إن إغتيال خالد الغزلاني بعد إغتيال مبروك السلطاني هو مؤشر سيء في علاقة بالحاضنة الشعبية للإرهاب، فالدولة صارت عاجزة عن توفير الحماية والأمن لأهالي الشهداء الذين صاروا هدفا للإرهابيين في كسر شوكة التحدي لديهم.. وهذا سيدفع المواطنين إلى التطبيع مع الإرهابيين وتحاشي المواجهة مع الإرهابيين خوفا من بطشهم وعنفهم..
* إن تعفن المشهد السياسي في تونس هو مؤشر لضعف الدولة وأجهزتها التنفيذية وهو ما سيمنح الجماعات الإرهابية القدرة على المبادرة والمباغتة، كما ان فشل الخيارات الإقتصادية سيدفع البلاد نحو موجات من الحركات الإحتجاجية التي ستنهك المؤسسة الأمنية وتجعلها عاجزة عن التوفيق بين مواجهة الشعب الجائع ومكافحة الإرهاب الجامح، ولا نظن ان حكام اليوم يعنيهم ملف الإرهاب إلا توظيفا في معادلة الأمن بدل الحرية.
* إن المؤسسة الأمنية والعسكرية لن تجد نجاعتها في محاربة الظاهرة الإرهابية إن لم تكن للمؤسسة السياسية رؤية شاملة ومتماسكة تتصل بالمدى القريب في الحد من العمليات الإرهابية المتواترة، وبالمدى البعيد في تجفيف اسباب الإرهاب ودوافعه الإجتماعية والإقتصادية…