ضمّ المُفيد إلى اللّطيف

Photo

إنّ غالب الكتابات والأفكار الموّجهة إلى عامّة النّاس لا تلقى عموما لها بالا ولا يعيرها النّاس إهتماما فلا تفاعل ورد فعل إيجابي Feed back positif. فلا تأثير ولا فائدة ترجى منهم لإنشغالهم بظروفهم ومشاغلهم الحياتيّة وضرورياتهم الماديّة وهمومهم وآمالهم وإنتظاراتهم وطموحاتهم وأوهامهم وكذلك لعدم نضجهم وآهليّتهم وإستعداداتهم .

فالفكرة والرؤية وفلسفة الوجود لا تلقى صداها وليس لها رجع صدى وفائدة إلا إذا إعترضت وتقاطعت مع سالك سبيل المعرفة والعلم وباحث عن الحقائق أو مناسبة للظروف والضرورة لتجربة حياة الإنسان حينئذ تجتذبه الفكرة أو الطرح والرؤية التي توافقه وتساعده وتدفعه لحضورها وجدواها وفائدتها في صيرورته وتجربته الحياتيّة وغير هؤلاء إمّا ساه غافل غير مهتمّ لا يبالي أو متهكّم أو فضوليّ .

الأغلبيّة السٌاحقة لا ينخرطون لا يشاركون لا ينفعلون لا يتفاعلون لأنّ الأفكار العميقة لا تلامس مصالحهم الآنيٌة ولا تدغدغ مشاعرهم ولا تتوافق مع مزاجهم وهواهم ولا تحفّز نفوسهم الطامعة للكسب الماديّ العاجل إذ لا تدفعها لنيل رغباتها وتحقيق شهواتها فهي لا تلهي نفوسهم الحالمة بأوهام وأحلام اليقظة .

من يحاول التأثير والتغيير عليه أن لا يبالي كما لا يبالون ويهتمّون فلا يتألّم ويكتئب ويفقد الثقة في المستقبل فالأفكار التي تتناول المعاني وحقائق الوجود تتطلب تضحيّة ومعاناة وصبر وجلد وجهد للإرتقاء والصعود فهي عسيرة على عامّة النّاس لشراهة نفوسهم وقلّة عزيمتهم وضعف هممهم وشدّة تعلّقهم وتشبّثهم بالعموميات ولسهولة تبنّيهم الأفكار السطحيّة التي تلامس شغف قلوبهم وهوى نفوسهم لنكهتها ويسرها وبساطتها تخلب فؤادهم وتأسر نفوسهم.

فقليل من البشر يتسلّق قمم الجبال ويروم صعودها وليعيش عامّتهم من سوقة وهمج رعاع أبد الدهر بين الحفر وفي دهاليز الظلام والجهل والعجز حيث الإستحمار والإستعباد والإذلال وإمتهان حريّة وكرامة البشر ساكنين مستكنين.

تبقى المعاني الراقيّة والأفكار العميقة تائهة ضائعة مهملة لا تتجاوز مداها غالبا قائليها وكاتبيها وناشريها لقلّة المنتسبين لها ومعتنقيها والسّاعين لتحقيقها والمؤمنين بفائدتها وفاعليتها فما ثمّ إلاّ الأواني والمباني والسعي المحموم لتحقيق ضروريات الحياة والمصالح الدنيويّة الظرفيّة لتستمر حياة هؤلاء الغافلين رتيبة كرتابة أفكارهم إن وجدت أصلا وساكنة ككسل أذهانهم وأفهامهم فيتقيدون بظروفهم وأقدارهم فلا يطمحون للتغيير إذ هو بعيد المنال وصعب النوال .

لكي يحصل الإيجاب والقبول والتوفيق وتحقيق الفائدة والتأثير والتغيير لا بدّ من توافق ما يُكتب ويُنشر مع نفوس وهوى المتلقّين ليخاطب إنتظاراتهم ومصالحهم وهمومهم. فلا يفشل ويستسلم لمقتضيات ومجريات الواقع المادّي من يسعى جاهدا للتغيير ولكي لا تحتقر الأفكار ويبخس ثمنها ويسعد الجاهل الغافل بجهله ووهمه ويشقى العالم بعلمه ويقتنص الإنتهازي اللئيم الفرص ويغتنم كل هبّة ريح لعلمه أنّ لكل خافقة سكون.

ولتجاوز كل ذلك وإقتحام العقبات والصعوبات فعلى كل طارح لفكرة ورؤية أو نظرة للوجود أن يقارب كل ذلك ويسدّد مع ضرورات الحياة وما يلامسه البشر في حياتهم من ملموسات ومحسوسات وما يأملونه ويرجونه فيخاطب وجدانهم وعاطفتهم وعاداتهم وعقولهم وروحانيتهم وفطرتهم فلا يصادم عاداتهم ومألوفاتهم مباشرة فلا تحكمه وتقيّده قوّة الفكرة وحقيقتها فتعميه عن الواقع وتقصيه بل يحتكم إلى واقع البشر وضروراتهم وإحتياجاتهم فمع العلم الفقه في أحوال المنازلات وليضمن النجاح والتوفيق عليه أن يتبنّى ويعزل ؛ يعذر الطبيعة البشريّة ؛ يغيّر الأفهام والأذهان والسلوكيّات بشتّى التوضيحات والتلميحات والوضعيّات الدّالة المحفّزة للنشاط الذّهني المعالجة للجهاز النّفسي.

عليه أن يكشف ويعرّي كل الشروط والظروف والقيود ونزع كل الأوهام التّي تتحكّم في سير البشر لعلّهم بذالك كلّه ينهضون ويسعون لتحرير ذواتهم وإفتكاك حقوقهم وتبديل أقدارهم . إنّها موازنة حكيمة راشدة بين قوّة الفكرة والطرح البديل وبين حقيقة البشر ومشاغلهم وهمومهم وأوهامهم فلا تميّع الفكرة وتهان وتضمحل وتفارق حلبة الصراع والتّدافع الإجتماعي ولا يستهان بضعف وعجز ووهم وسوء فهم البشر.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات