الخطاب البشري بين الحجب والكشف

Photo

تعتبر وظيفة الإتّصال من الوظائف الأساسيّة التّي يقوم بها الإنسان في بيئته ومحيطه ومجتمعه ويسعى طوال حياته للتّواصل والإتّصال والتأثير والإقناع تحقيقا لذاته إلى جانب بحثه على القبول والتّقدير والإنتماء فهو بالآخر ومع الآخرين سائرا بهم ومعهم منتميّا ومنفعلا ومتفاعلا وفاعلا ومفعولا به .

إنّ الخطاب الإيصالي موجّه من المرسل إلى المستقبل لتمرير رسالة بغية التّاثير على المتلقّي لجلب إهتمامه وتوجيهه. والخطاب ليس منطوقا فقط فإنّه يكون مكتوبا أيضا يحمل في بنيته وحدة تأثيريّة مقنّعة أو معلنة حسب سياق الخطاب ودلالاته ورموزه وبتحليل الخطاب تعرف الرسائل المضمّنة في النّص الخطابي ومراميه .

قد تتعدّد وتختلف أشكال وأنواع الخطاب حسب لبوس وحلّة صاحبها أي نضجه ومستواه النّفسي –الذّهني والثقافي والمعنوي "فكل وعاء بما لديه يرشح " وإن أخفى الخطاب وحجب دلالاته المعنويّة والرمزيّة فإنّه ينفذ ويتدفّق عبر العبارات والكلمات ليعلن عن مقصده وعن معدنه الرّفيع أو الوضيع وعن اصالته أو سخافته.

فإن كان الشّعور صامتا محجوبا دفينا فالخطاب جهريّا كاشف لصاحبه عن مزاجه وميولاته وتوجهاته وأهدافه .

قد تتمازج وتختلط أشكال الخطاب وأصنافه في ذات الفرد الواحد الباث لأرائه وأفكاره ولكنها تتلبّس ّ وتصطبغ غالبا بالقالب والميزة السّائدة والسّمات المميّزة لطبيعة الشّخص عاداته وإطاره الفكري والتّفسيري فتبرز قواعده الفكريّة وتتّضح خطاطاته الذهنيّة عبر بيانه ,فإذا كان الإطار الفكري قيد لاشعوريّ موضوع على العقول فإنّ الخطاب فاضحا للمشاعر كاشفا للبواطن.

أليس البيان نتيجة لشعور سعي الفرد في بيئته وزمانه ومحيطه الإجتماعي والثقافي وما تيقنته نفسه وإعتقد بصحّته وجدواه وفاعليته وما يسعى حقاّ ويأمل لتحقيقه ؟ إنّها إعدادات ومحدّدات وعوامل عديدة تعتمل بعضها مع بعض وتتفاعل فتطبع الخطاب وتميّزه وتخرجه بسحنته النهائيّة .

إنّ الجديّة والصرامة والدّقة في التعامل مع معاني الخطاب وعدم الإنجرار والإنسياق والإنزلاق والإغترار بظاهره ولا بدّ ولا محيص من فرز مضمونه من شكله وسياقه وبيانه . "فقد يظهر لك الطّين طيبا والحمأة مسكا زورا وتلبّسا عليك فالمفاهيم محدودة بحقائقها محصورة في معانيها ".

الخطاب ترجمة وترميز للمشاعر واليقينيات والخبرات وتنعكس كلها في الحروف والكلمات والعبارات ,شّعور باطني ويقين محفور في الأعماق يبّثه المرسل إلى المتلقّي للتاثير فيه وتوجيه إهتماماته وميولاته . فما هي أنواع الخطاب ؟

1-أنواع الخطاب :

أ_خطاب النّفس :

خطاب العامّة خطاب الجذب للأنا يدعو لنفسه ,يستدعي النّفس لنيل حظوظها وتحقيق رغباتها يخاطب النّفس غرورها وهمها وهمّها طمعها جهلها قوّتها وقفتها صحّتها وصولتها فهو مستهلك للزّمن.

صفته : الغرور والعجب والإستعلاء والحيلة والخداع والزّيف وهو سالب للمعنى ( - )وتحقيق الشّكل والمظهر والمبنى ,يتّسم ويتّصف بمعالجته الدنيويّة الظرفيّة ويبحث عن السّمعة والقيادة والسيطرة طالب للجاه لا طالب إصلاح فأهله يصرفون عن الحقّ ويعدلون عن الرّشد.

مجاله: عالم الشّهادة ,عالم الحسّ والكثائف والنّفس وهو يرى بمنظار المجتمع الذّي فرض عليه وقيّد تفكيره وفرضته مصلحته الخاصّة وعقده النفسيّة ,جهاز نفسي مشتغل وخطاب ملتهب مشتعل . إنّ خطر النّفس الملك والملكوت أبنيتها وقصورها فالعلم كلّه والمعرفة كلّها والعقل بهيلمانها خدّامها والأسماء والحروف والكلمات جنود واعوانها فهو خطاب مقعّر طبيعته ترابيّة طينيّة بنيته غير متماسكة معجون مع البيئة الماديّة والنفسيّة يتأثّر وينجرف بالأفكار الساميّة المتعاليّة الراقيّة روحا ومعنى فتتلفه مانعة إستهلاكه فهو "الزّبد الذي يذهب جفاء " ولكن قد تثبت أفكاره وتزدهر في النّفوس الضّعيفة لتساق إلى مستنقعات ومنخفضات وقاع السلوكيّات البشريّة الرديئة .

يتميّز خطاب النّفس بأنّه خطاب الإستلاب والسّلب فهو يجنح إلى تحطيم قدرة المتلقّي على التّمييز وإلى خلق إحساس غير واقعي فيزيد الآخرين سلبيّة وإغتراب وما عليهم إلاّ أن يتاقلموا وبقدر ما تكون الجماهير غير ناضجة يسهل عملية إستحمارها وإستغفالها وإستغلالها والتحكّم فيها فتضيع أصالتها ويهدّد بالزوال هويّتها.

فهو خطاب التّطويع أو التّحوير والسّيطرة يطمح إلى تحويل الكينونة إلى صيرورة فروّاده الذّين يمارسون عمليّة غزو فكري وثقافي سالب للمعاني . أليس خطاب غالبيّة السياسيين ومعظم وسائل الإعلام من هذا الصنف ؟ فماذا كتب في قلوب هؤلاء ليخرجون ما في بواطنهم وسرائرهم ويكشفون عن خواطرهم وينشرون تعابيرهم وافكارهم وآرائهم للملأ طامعين ان يصدقّهم النّاس ويتّبعونهم ؟

ب-خطاب العقل :

خطاب الخاصّة خطاب الحكمة والرّشاد والرصانة والتميّيز بين الحقّ والباطل والإنحياز لدواعي الحق , مجاله الغيب والشّهادة. ينتقي كلماته وعباراته, يمحّص الحقائق ويبحث عن الحقيقة متجرّدا عن المحسوسات ,خطاب يتّسم بالوضوح والنّضج متجاوز للأطر الماديّة وحبس المعاني يراوح بين الوجود والعدم بين الحياة والفناء وبين الحضور والغياب خطّه متواصل فلا إنفصال بين فترات الحياة مغاير لمجريات الحياة النسقيّة النمطيّة ومخالف للعادّة سالب للأفكار المغلوطة وهو إنعكاس حقيقي وإسقاط جدّي لضرورات الحياة الماديّة والمعنويّة ,فهو خطاب سلب السّلب (- - ) فهو موجب (+ ) بتحقيق المعاني.

إنّه خطاب العقل المتجرّد الذي يعقل وينظّم ويرتّب , ذاك العقل الفطري والمطبوع بالتّجارب والدراية والخبرات والكفاءة والنّضج والحكمة في التّعامل وتناول كل الإشكاليات والوضعيات الشائكة ومعالجة الأزمات والعقبات بتدبّر وتفكير دون تسرّع وتهافت , وإن كان خطاب النّفس يدعو إلى نفسه فإنّ خطاب العقل يدعوك إلى نفسك للتريّث والتعقّل والتّفكير والتدبّر.

العقل يستطيع التّرجيح بين الإختيارات والمفاضلة بين البدائل فطابعه بنائي , خطابه متماسك بنيته بارزة على رؤوس الأفكار لا يتأثّر بالحتّ والهدم من شتّى المذاهب والمعتقدات لأنّه متأصّل أصله ثابت بمفاهيمه الساميّة وقيّمه السّليمة الذي يهدف إلى تحقيقها . أليس دين العقل الحقّ؟ أليس خطاب الأنبياء والرّسل والمصلحين الصادقين من هذا الصّنف ؟ خطاب مغاير لا يتقيّد بالعادة مجدّد للزّمان والإنسان بنشاط ذهني مبدع متّقد وخطاب عقلي رصين متّزن.

ج-خطاب الرّوح :

خطاب خاصّة الخاصّة خطاب العبوديّة لله وحده منزّها للربوبيّة قاعدته الإستسلام والتّسليم لله سبحانه يرجع الحقّ والودائع للمولى العزيز الكريم وهو خطاب الغياب بحضور , غياب النّفس والجسد وحضور المعنى والرّوح متجرّد من الأنانيّة والنرجسيّة متعالي على المادّة متجاوز للإحاطة الماديّة والنفسيّة والقلبيّة والعقليّةّ معانق للكمال فلا إعتبار لحظوظ النّفس وقيود العقل فهو متماهي كليّا مع الحقّ , يحمل تعابير ودلالات وإشارات للتّجاوز وللعبور والعلوّ تلخّص في المعرفة الإلهيّة وخلع النّعلين بالخروج من النّفس والجسد وسجود القلب على الدوام .

خطاب لازماني مفارق مجاله الغيب الخالص ,عالم الجبروت , فخطاب الرّوح يتجاوز العقل ويتخطّاه إلى نور الحضرة وفي نور الحضرة الإلهيّة لا يفقه العقل شيئا فهذا ليس مقامه فلا يستوعبه الوجود بظاهره ولا يصغي بقلبه إلى شتّى الفنون والمظاهر والظواهر ولا يميل إلى حظوظ النّفس رغائبها وشهواتها فهو يجوز من الكونيّة إلى المكوّن . خطاب موجب الإيجاب ( + + ) وهو أزلي دائم لا تنمحي معانيه ودلالاته لأنّه متجاوز فهو نور ساطع بالأنس بالله ولا عبرة بالأنس بالنّاس لأنّه همّ واقع . أليس خطاب ومناجاة الروحانيين الربانيين من هذا الصنف؟

2-ضلال وأوهام وشبهات الخطاب:

إنّ عمق الأزمة العاطفيّة والعقد النفسيّة تؤدّي إلى تشويه الملاحظات عن الواقع فتنحرف بالخطاب إلى شبهات وضلال واوهام تنحصر في:

_النّفس المخادعة :

تخفي حقيقتها بزيف وشبهة وحيلة ودهاء فلا تعبّر صراحة عن نفسها وموقفها صفتها التدجيل التمثيل التزييف والإحتيال والنفاق وإقتناص الفرص والأزمات. إنّها نفس عليلة لا مبدأ ولا قيّم ولا مثل تسعى لتحقيق منفعة شخصيّة بكل الوسائل والطرق ولا يوافقها إلا شبيهها وما شاكلها وتوافقت مصالحه معها.

_العقل الحسيّ الوهمي :

إنه عقل مريض معتلّ مختلّ ممسوخ بواقعه ماسخ لمن يسمعه ويتقبّله. فهو إسقاط وإنعكاس لكثائف وغبش حسّ الدّنيا بنشاط ذهني وعقل حسيّ واهم.

_الرّوح المسكينة المستكينة:

روح بائسة مسحت بركتها وبقيت محنتها فميزتها الإستجداء والتمسكن لإجل التمكّن لا تخادع إلاّ ضعيف الهمّة والعزيمة والإيمان ,خطاب الباطل بخضوع ورياء دون قناعة داخليّة عميقة. يعيش الإنسان بإهتمام مشتّت في حياته موزّع طوّاف بين كافة الرغائب والشهوات وتجتاحه أفكار وخواطر وآراء وتعترض سبيله أو يسعى إليها بإرادته فيتبنّى ويعتقد وينحاز ويدافع ويجادل غيره المخالف لرأيه متعصّبا ليفنّد وينتقد " فالحوادث تاريخ والنّاس أنفسهم تاريخ الحوادث والمتكلّمين معبّرين عن تلك الحوادث كل ّ بفهمه وعلمه ودرايته وخبرته ونضجه".

ويختلف علم البشر ويصنُف حسب وسائله ومجال بحثه إلى : علم الظاهر وعلم الباطن : 3- مازالت الإنسانيّة تتعلّم في مدرسة ومختبر الحياة تغيّر وتبدّل من مفاهيمها وما إعتقدت يقينا بصحتّه إذ أنّ فرضياتها مجرّد إحتمالات وليست إقرارا أو يقينيات فتطوّر العلم يشهد بوجود عقبات إبستمولوجية و بتجاوزها حصول التقدّم العلمي فالعلم ناميّا وليس ساكنا ثبوتيّا ؛ فلماذا إذن يتمسّك ويتقيّد عديد البشر بما إستيقنت أنفسهم وإعتادوا عليه ؟ لقد سلبتهم إيديولوجيتهم تفكيرهم وإرادتهم الحرّة ومنعتهم الإستفادة من علوم أخرى.

أ_ علم الظاهر :

خاضع لسيطرة العالم الماديّ ؛ علم يبحث في الكون يتناول علم الجزئيات وعالم الأشياء ؛ عالم الملك والملكوت. من ركب قطار العلم وسائله العقل المنطق العقلي والحواس وتقف همّتها عند إدراك الأشياء وعلاقاتها فروّادها قابعين في عالم الحسّ وذاك مقامهم حجابهم الظّلمة لا يتجاوزون مقيمهم عالم الشّهادة.

إختص ّ عامّة العباد بشتّى أصنافهم سوقة وعامّة وكثير من مثقفين وعديد الفلاسفة بعلم الظاهر علم المحسوسات والملموسات مع بعض التجريد الذي لا يتجاوز القالب الماديّ فقد تكلّم جلّهم في الظواهر والمظاهر وتمسّك معظمهم بظاهر الأحوال دون الولوج الى خفاياها وبواطنها وركنوا لما يفنى ولا يبقى وصاغوا شتُى الآراء والنظريات والأفكار الضنيّة الإحتماليّة وحسبوا وهمّا أنّها يقينيات .

لقد إبتليت البشريّة قاطبة في دنيا البلاء والفناء بفلاسفة ومفكرون ومثقفون دهاة وعباقرة خبثاء النيّة والسّريرة بنوا أفكارهم على أسس غير صحيحة وسليمة لأنها لا تتعامل مع جوهر الإنسان وكلّيته وشموليته فأفكارهم ومذاهبهم مجرّد مخرجات وآراء ذاتية مفاهيم محدودة محاطة مسيّجة بظروفها وأسبابها مطموسة المعاني فهي غير موضوعيّة ولا تصيب كبد الحقيقة في طرحها ومعالجتها وإن إدّعت الموضوعيّة فقد تظهر حقيقة تحمل بُعْد أو أبعاد ذاتية كامنة في النفوس ولكن يبقى علمها ومعرفتها ودرايتها وخبرتها ونضجها وكفاءتها زمانية مرتبطة بالمستوى المعرفي العلمي والذهني والنفسيّ والمرحلة العمريّة لصاحبها وتجاربه.

فهل يحيط هذا المحاط بكل الحيثيّات والأسباب والظروف وهو في دائرة الإحاطة محاط محكوم بأجله وقدره وزمانه ؟ فويل للمحجوبين الذين لا يعلمون أنهم محجوبون. أفكار الفلاسفة وما يعتقد انهم جهابذة البشر آراء متداخلة أو متقاربة وإسترتيجيات ورؤى لتحقيق أهداف معرفية وجدانيّة وسلوكيٌة معالجة لأبعاد الوجود البشري باحثة في ذاته وعلاقاته وأقداره وبنائه النّفسيّ وتكوينه الإجتماعي وتعلّقاته وسلوكياته.

هل أدركت حقيقة ذاته وتعاملت مع جوانبه المتعدّدة وكافة عناصر مكوّناته برمّتها من نفس وقلب وعقل وروح وفطرة إنسانية راسخة في ذات معناه ؟ . -إنّ الفكر الماديّ ألغى روح الإنسان وخاض في بحار ماديّته وحيوانيته وغرائزه ولم يراعي بتاتا فطرته وروحه . -إن ّ الفكر الماركسي تعامل مع الإنسان من منظور إقتصادي وبنى نظريته على أساس الماديّة الجدليّة والتاريخيّة . -إن ّ الوجوديّة تعاملت مع بعد الحريّة بإفراط فلا ثمّ إلا حريّة البشر وما سواها عدم -إن ّ الفكر البراغماتي لم يراعي إلاّ النفع والمصلحة فحيثما تحقّقت المنفعة تمّت سعادة الإنسان ورفاهيته ولا إعتبار للمعاني والقيّم فالقيمة هي المنفعة.

إنّها أفكار مغالية تعاملت مع جوانب وأبعاد موجودة حقيقة ولكنّها عمّقت ملاحظاتها ورؤيتها ونظرياتها إنطلاقا من أفهوم خاص جدّا ضيّق المجال في فسيح معنى الإنسان فلقد بنوا أفكارهم ومنهجهم على أسسها . ."سلكوا بنيّات الطريق فأصبحوا متنكّبين عن الطريق الأكبر " فهل ساهم كل هؤلاء حقيقة في بناء الإنسان ؟ وهل وُفِقُوا في طرحهم وإجاباتهم وأسعدوا الإنسانيّة بنظرياتهم وأفكارهم؟ أي موقف إتخذوه من الوجود من الخلق والإفناء والبعث ؟؟؟

ب- علم الباطن :

علم الحقيقة إصطفى الله عباد له تنزّهوا عن الدّنيا زخارفها وحسّها وغبشها وشواغلها وتمسّكوا بالحيّ الباقي وبالمعاني الراقيّة الباقيّة وعملوا وأخلصوا وصدقوا وإجتهدوا وحثّوا مطايا العزم ليتحقّقوا بالحقيقة المحمديّة الخالدة وتخلّقوا بأخلاق المصطفى الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التّسليم وبإلتصاقهم بعالم الغيب ولصفاء سريرتهم ونيّاتهم وإخلاصهم كشف لهم بارئهم الحجاب وعلّمهم من علمه اللدنيّ فغيرهم ينظر ببصره لظاهر الكون ويستعمل أعضائه الحسيّة.

وهم متمكّنون ببصيرتهم وروحانياتهم من عالم الباطن فعلمهم علم حقيقة وليس ظاهر شريعة فقط وشتانا بين من معدنه ومورده الصفاء والنقاء والبهاء واللطائف الربانيّة ومن علمه من الحسّ والكثائف ومظاهر المادّة الفانيّة وإنعكاسها في النفوس الضعيفة والأفئدة والأرواح المتربّصة في قوالبها .

أصحاب الهمم العاليّة والنفوس العظيمة والأرواح الشفّافة إمتطوا قطار المعرفة يبحثون عن المكوّن عن الغيبي غائصين في عالم الكليّات عالم الجبروت وسائلهم القلب والبصيرة والوجدان الصوفي متجاوزين كل القيود والقوالب الماديّة الحسيّة فلقد فارقوا بمعانيهم وأرواحهم عالم الحسّ والشهادة وارتقوا وانتقلوا إلى عالم المعنى مخترقين حجاب الظلمة حجاب العامة فهم خاصة الخاصّة حجابهم الأنوار.

نفوس عظيمة حرّة تستعصي على الذوبان تحافظ على البصمة الإلهيّة الخاصّة بها بخلاف المحجوبين والجهّال من العلماء الذين تقف همّتهم عند إدراك الأشياء وعلاقاتها ويحسبون أنهم يحسنون صنعا وذاك مبلغ علمهم.

قد آن الأوان أن نحدث إنقلابا في أسلوب تفكيرنا ونتحرّر من كل أصناف وأشكال الخطاب وقوالبه ومضامينه ونقيّم الخطاب ومفاهيمه وننقد شبكته الدلاليّة ودلالاته وإطاره التّفسيري ونحدّد نشاطه الذّهني للكشف والإستيعاب والتّجاوز دون تبنّي وتقيّد .

فالخطاب ليس محايد فهو مشحون بمشاعر وأفكار ويقينيات ومعتقدات وخبرات وشاحن لذوات وهويّات بمراميه وغاياته قصد التّأثير والتوجيه. تكّلموا يا من تحسنون الكلام ولا تتركون اللافظون من يهيمون ويعشقون الكلام يخيطون أكفانا معنويّة في قوالب فكريّة للغافلين والسّاهين عن حقائق أنفسهم والوجود.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات