لا أريد أن أضع نفسي في مركز قوة أو ضعف بكوني انثى ... وكم كنت معارضة لوضع المرأة في سوق المزايدات تحت طائلة اتفاقيّة سيداو أو برامج الجندرة، كنت ومازلت أرى هذه المزايدات هدفها سياسي فقط وكل المتدخلين يلوكون في نفس الخطاب بترف فكري بعيدا عن القضايا الجوهرية التي تمس المجتمع بجنسيه ، وفي كل مناسبة تُقدم نفس التقارير بشكل نمطي دون تجديد موضوعي عقلاني في الطرح ،إن مكانة المرأة حسب رأيي مضمونة بإراتها ولا يمكن اعتبارها قضّية أو اشكاليّة تتطلب كل ذلك الإنفاق والمؤتمرات.. لا يمكن أن نقفز على كل مكتّسبات الماضي من عهد الصحابيات وصولا للمناضلات ضد المستعمرحين نتحدث عن المرأة في زمننا الراهن …
كنت أظنّ أن زمن النخاسة انتهى بموجب الشريعة باعتبارنا مسلمين، وبإتفاقيات دولية لمن يرى في ذلك سندا قانونيا له، أما عن التمكين للمرأة فلا يمكن أن نحقق ذلك دون العودة إلى تراكمات الماضي منذ الحقبة الإستعمارية ودون الإقرار بقسوة الظروف السياسية والإجتماعية. فلا أحد يمكنه تجاهل ما قدمته المرأة من تضحيات لترفع الظلم والحيف عنها وذلك بالنقد البناء والإصلاح على أن لا نتجنى ولا نجحف في حقها باعتبارها عنصرا مناضلا في تحقيق استقرارالأسرة والمجتمع وسندا في الرقي والتقدم .
إلا أني ما ألاحظه هذه الأيام من حملات مقززة تطال المرأة أو الأنثى بشكل أدق والدفع بها لزاوية المتاجرة و المزايدة والصراعات أمرا لا يجب السكوت عنه وتمريره ببساطة إذ أننا نلاحظ حملات مفزعة لتدمير كل القيم، وتشويه موروثنا الثقافي والحضاري ،والدفع به للإنقراض . ورغم أن الحياة تملي علينا التغير الإيجابي وأن تظهر المرأة طاقاتها الحقيقة الخلاقة في العمل البناء، علميا وثقافيا وسياسيا إلا أن ما يسوق له يتفه عقل المرأة"ماهي إلا مرا" إضافة لجعلها وعاء إنجاب وبويضة في مهرجان الدم …
بالمقابل هناك عمل دؤوب على إبراز الجسد كبضاعة بعراء مبالغ فيه في مناسبات ومهرجانات كبيرة أو بعرض المرأة على منصة في سوق عام...وكأنها في سوق نخاسة ،وهذا ما يدفعني للقول أن واقع حالها المتخلف تأطر ببرواز ذهبي واعتلى منصات الإشهار، وأعادنا قرونا للوراء إلى زمن العبودية والأصنام . وأمام صمت المنظمات النسائية والحقوقية عن هذه الإعتداءات السافرة في حق المرأة واستغلالها كبضاعة ترويج بطريقة مهينة إذ يعتبر ذلك من باب العنف المعنوي و"الدعارة" بشكل مبتذل، وتعتبر هذه الممارسة تكريسا للثقافة الذكورية بشكل بشع وفظ ..
ربما ما أفعله صرخة مكتومة تسمعني فيها فقط مرايا تعكس دم نساء مذبوحات بسكين الحداثة بدلا من وجهي الغاضب ، كما أرى في ذات المرايا نساء مضطهدات بأيدي دعاة التحرّر والتمدّن، تتستر على واقع مرير تغتصب فيها الكرامة الإنسانية بإسم المصالح والكراسي وبعض المنح المقدّمة لخدمة أجندة خارجية بعيدة عن ثقافتنا…
سادتي ليست هذه المساواة التي سوقتم لها، ليست هذه هي المواطنة التي نحلم بها ، ليست هذه هي القيم التي ناضلت من أجلها بطلات حملن لواء الحرية والعدالة...
إن المرأة التي نريدها أن تتقدم لها كل الحق بممارسة إنسانيتها، لها الحق في انتزاع فرصتها في الحياة دون الحاجة إلى المزايدات السياسيّة الرخيصة والتجارة بجسدها للمتعة أو للفرجة أو للتسويق..وأن تعيش مرحلة تؤهّلها لتترك بصمتها في هذه الفترة التاريخيّة…