خواطر ثورية من وحي الربيع الجديد …

Photo

الاستقالة المتلفزة التي جاءت بعد ساعات قليلة من بيان القوات المسلحة الجزائرية ، المُسَمّى بيان " العصابة " هي إخراج سيء لعزل تحت التهديد .. هي ليست استقالة طوعية ، بدافع الزهد والتوبة بعد الفجور ، بل إقالة عنيفة من قبل من يظن نفسه خليفة الله في هذا البلد : جيش " التحرير " .

- هذه الإقالة لن تكون سببا كافيا لاعتبار ما وقع في الثاني من شهر أفريل انقلابا .. فالجيش الممسك بالسلطة منذ خمسين عاما لا يمكنه الانقلاب على نفسه إلا إذا سلّم السلطة للشعب ، وهذا ما لم يحصل بعد .. وقد لا يحصل إطلاقا . الأمر يتعلق تقريبا بعروض الوان مان شو : أدوار متعددة وممثل مفرد .

- الحيل العسكرية في ميدان السياسة شحيحة وتميل إلى تكرار نفسها لكأن الشعوب جُبِلت على الحمق الأبدي : بيانات عسكرية تزيّن للمتظاهرين فضائل الأمن والاستقرار ، وتحذرهم من المندسين والخونة وممن يلعبون بالنار .. ثم تعلن تعاطفها مع الجماهير وتقدّم نفسها كعراب لثورتهم وحاميها لا حراميها.

وعندما لا ينفع العقار تُجبر الزعيم الأوحد ، صنيعتها ، ودميتها ، على الاستقالة ، علنا أو من وراء ستار .. حتى تتولى زمام الحكم بشرعية مسروقة ودون واسطة .. هكذا فعل حسين طنطاوي في مصر قبل الحادي عشر من فيفري في مصر ، وهكذا يفعل القايد صالح هذه الأيام . هل يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه مرتين ؟ هل ستظل الشعوب تنام دائما أمام جحر الثعابين ؟ نعم .. يمكن ذلك إذا كان شعب مصر والجزائر ، كلاهما أحمقين ! .

- فوّض حسني مبارك سلطاته الرئاسية للمجلس العسكري ، فجعل حسين طنطاوي من نفسه ، وهو وزير للدفاع ، الثائر الأول في مصر على نظام لم يكن سوى ثمرة خطيئة زواج السلطة بالجيش !! .. واليوم يحاول العسكر في الجزائر تقويض الحراك الثوري من خلال السطو عليه .. وكأن قايد صالح لم يكن ابن هذا النظام ولا كان وصديقه عبد العزيز شاشية يحملها رأسان !! .

- الحديث عن الشرعية الدستورية في زمن الثورة هو محض هذيان .. هذه العبارة هي طعم الثورة المضادة تصطاد به الثائرين .. إنها آكلة الثورات العربية ! .. فمنطق الثورة لا يستقيم ، ولا يتساوق أبدا مع مبدإ استمرارية الدولة بل هو لن النافية والناصبة له بعد رفع . منطق الثورة يهدم كل شيء ليبني كل شيء . و هو يحتاج إلى رفع كل الأنقاض لغاية التأسيس .. والتأسيس المتين لا يكون على أعمدة قديمة .

خطأ الثورة المصرية أنها اطمأنت إلى أعمدة العسكر التاريخية ، فانهدّ سقفها وضاع كل شيء .. وخطأ الثورة التونسية أنها سلمت نفسها – تحت غطاء الشرعية الدستورية – إلى الحرس القديم .. فلبس الحرس لباس الثائرين ، ومشى في الأرض يهدي ويسب الماكرين .. والمكر هو رداؤه وجبته ! .. فضاع نصف الثورة .

- يتحدث البعض عن مقولة " السيادة للشعب " وكأنها أمر حادث ، غير أزلي ، منحها دستور .. وقد يمنعها آخر ، في حين أن هذه السيادة نفسها هي من تصنع الدساتير حتى وإن تخلت الشعوب عن هذا الحق الطبيعي ! .. السيادة الشعبية هي مثل الحرية الوجودية ، تظل ملازمة لكيانك ذاته حتى وإن اخترت التنازل عنها . وهي سابقة للفصل السابع والثامن ولكل الفصول .. فمن باب المخاتلة إذن الاستمرار في التشبث بوثيقة دستورية تفوح من طياتها الروائح النتنة للنظام القديم ، ولا تفعل غير اضفاء الشرعية على عهد جردته الثورة من كل شرعية.

إنه الدجل السياسي والعسكري وفقه الالتفاف ..

- لنترك للأمل بابا ، وإن كان ضيقا ، ولنفترض أن الجيش الجزائري مثل راكب حصان أهوج .. ومع كل قفزة للحصان في الهواء ، يتراجع الراكب شبرين إلى الوراء .. إلى أن ينتهي الظهر ، ويسقط الجيش على الأرض ! .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات