مضايا بلدة سورية صغيرة، لم يكن لها قبل الثورة ذكر، ثم كانت أول من رفع شعار سقوط النظام. ومنذئذ لم يسقط النظام ولم تنحن. وحتى إشعار آخر دخلت مضايا إلى حد الآن موسوعة ويكيبيديا في 14 لغة، أغلبها في الأسبوع الأول من شهر جانفي 2016، والسبب الأعداد المتزايدة من الأنفس التي تتساقط فيها هذه الأيام بسبب المجاعة بعد حصار خانق، وصل فيه كيلو الأرز حسب جريدة لومند إلى 230 أورو، نعم ما يفوق 460 دينارا تونسيا.
الحصار لم يقم به الجيش الصهيوني، وإنما أحكمه الجيش السوري إحكاما. بالعودة إلى التاريخ فهذا الجيش له تجربة رائدة على هذا الصعيد، سبق له -كما نعرف- أن حاصر المخيم الفلسطيني تل الزعتر مدة 52 يوما في عز الصيف، ذات رمضان / أوت 1976. ومثلما يتساقط الجوعى اليوم تساقطوا صيفئذ. المُحاصَرُون الفلسطينيون الذين أتوا رمضانئذ على ما بالمخيم من كلاب وقطط وحشرات، وصلوا إلى أن يطلبوا الإفتاء لهم بأكل أبنائهم الذين يموتون جوعا. ولم تقف المأساة عند ذلك الحد، إذ ما لبث أن شهد المخيم مجزرة أودت بما لا يقل عن الألفين على أيدي حلفاء الأسد الأب آنذاك بقيادة ميشال عون الذي يتمسك حزب الله اليوم بترشيحه لرئاسة لبنان، هو أو لا أحد. ولم يرمش جفنٌ للأسد الأب يومئذ مثلما لا يرمش جفنٌ للأسد الابن اليوم أمام موت الأطفال جوعا في مضايا.
الجيش السوري نفسه هو الذي حاصر مدينة حماه السورية ذات فيفري 1982، ووجه إليها مدفعياته الثقيلة التي كان يعدّها كما يقول لتحرير الجولان، وكانت الحصيلة 7 آلاف من القتلى على أقل تقدير. وبالتالي فأن يحاصر بلدة مضايا اليوم، فهذا من ذاك. وكم يساوي عدد سكانها بالمقارنة مع مجموع من قتلوا حتى اليوم؟
إلا أن الجديد بالنسبة له هذه المرة أنه يحاصر مضايا مع ميليشيا حزب الله اللبناني، حزب الله الذي صمد أمام الكيان الصهيوني، وتحول إلى ما يشبه الأسطورة لدى الملايين من العرب والمسلمين، ترى أي سند أخلاقي أو مبرر إنساني يسمح له بحصار مضايا وتقتيل أهلها؟ وما معنى أن يحكم هذا الحصار شهرا وشهرين وثلاثة أشهر؟ هل يدخل ذلك ضمن إستراتيجية حربية لإجبار العدو على الاستسلام أو إجبار سكانها على الموت جوعا؟ طيب هاهم يتساقطون يوميا بفعل الجوع، فما الذي حققه حزب الله غير تجريد نفسه من ماضيه المشرق والتخلي عن صورته كمقاوم؟ وأي قيمة لمظلومية يتكلم عنها استنادا على كتب التراث، بينما يصنع مظلوميات على المباشر ليس بحق فرد وإنما بحق عشرات الآلاف؟
يقيني أن حزب الله أكبر متضرر من الثورة السورية، أكثر من آل الأسد أنفسهم، بعد أن غدت مضايا مقبرة لماضيه. وهنا يبدو أن الدعاء الذي ينطبق على الأفراد يصلح أيضا للتنظيمات، فاللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.