في ضرورة تنزيل النقاش السياسي بين القيادات الى القواعد
منذ حدث اربعطاش جانفي شهدت كل العائلات السياسية و الفكرية تباينات و اختلافات و انقسامات لأسباب عديدة ذاتية او موضوعية . و بقطع النظر عن قيمة و مبررات هذه التباينات فهي على العموم طبيعية و مفهومة باعتبار ان الزلزال السياسي الذي تشهده البلاد و المنطقة و عموم العالم ستكون له بطبيعة الحال ارتداداته على القناعات و الثوابت التقليدية التي مثلت مشتركات سابقة للمجموعات السياسية و المدارس الفكرية قبل " الثورات " و تحولات الاقليم و اصطفافات المنطقة و تغيرات العلاقات بين النخب و الدول و المجتمعات .
هذه الاختلافات بين نخب التيارات و المدارس التقليدية كان يمكن ان تكون ايجابية في تطوير الثقافة السياسية للجماهير و الوافدين الجدد على التحزب و الاهتمام بالشأن العام و لكن كيفية ادارتها بين النخب منعت تحولها الى مصدر لتطوير التحصيل المعرفي و السياسي للهواة الجدد للسياسة .
في كثير من الاحيان تفاجئ التصدعات الداخلية للتيارات و المجموعات القواعد و الاتباع فتنقسم الى اصناف و انواع لا تفيد في شيء هذه الاختلافات و لا تجعل منها ديناميات طبيعية في تطوير الفكر و المشهد السياسيين .
كلما تصدعت " الاحزاب او الالتقاءات " نخبويا توزعت القواعد بين :
نوعية اولى من القواعد تختار الاصطفاف وراء هذا الاسم القيادي او ذاك لتصبح مجرد مخالب و انياب تنهش خصومه و تتهجم عليهم حقا و باطلا و في الغالب ما تكون هذه النوعية من انصاف العارفين بحقيقة الخلافات و عمقها الحقيقي و تساهم بعنفها الفكري و ارهابها المعنوي في ان تصبح جزء من المشكل لا اضافة فكرية لها في تثمين الاختلاف و الاستخلاص العملي الايجابي منه من اجل تجربة سياسية ارقى .
نوعية ثانية تغلب عليها الطيبة فتنساق الى البكائيات العاطفية و الدعوات الاخلاقوية للوحدة دون قدرة على تحديد المعالم الفكرية للمطلوب " الوحدوي " الذي تدافع عنه و تدعو للمحافظة عليه و دون معرفة بمفاصل الاختلافات لتقيمها و تنتصر الى الاصوب فيها .
هذان النوعيتان من الاتباع و القواعد نتيجة طبيعية لطريقة ادارة الاختلافات بين القيادات و هي في العادة تكون في البداية مجرد نقاشات خلف جدران غرف مغلقة لا يتم تشريك القواعد فيها و تكوينها لخوضها معهم و لكنهم بمجرد ان يصلوا الى استحالة حسمها إلا بالتصدع يضطرون الى اخراجها بعد فوات الاوان .
و عندها يكون هذا الاخراج قائما على عرض انتقائي لتاريخ الاختلافات و مضامينها فيصبح هذا الاخراج بدوره امعانا في تضليل القواعد التي تواصل بدورها اصطفافات غير " عالمة " و غالبا ما تنتهي بهؤلاء الاتباع الى احباطات نفسية تنتهي بهم الى اعتزال السياسة بعد ان يكونوا قد ساهموا بعنفهم الفكري و ارهابهم المعنوي في تدمير عديد من الطاقات القيادية و في القتل المعنوي لكثير من الصادقين ليكون المشهد السياسي بذلك مجرد مقصلة رهيبة للكفاءات بين قيادات متغلقة على نفسها و قواعد مغرر بها لم تكن اكثر من مخالب في معارك لا تعرف تفاصيلها .