الجهاز يشتغل عال العال، وكل شيء طبيعي، والثناء موصول لعمنا "بيل غايتس" الذي سخّر لنا "الحاسوب" نأمره فيطيع، ونسأله فيجيب.. يجعل الوعر سهلا والقريب بعيدا، والمستحيل ممكنا! حتى جاء اليوم الذي صببتُ فيه كل لعنات الدنيا على رأس صاحبنا المذكور أعلاه!
وصلتُ الجهاز بالكهرباء.. ضغطتُ على زر التشغيل.. ورحتُ اترشّف قهوتي "العربي" المعطّرة بقطرات من ماء الزهر جهّزتها لي فاطمة منذ لحظات.. في انتظار أن يظهر سطح المكتب على الشاشة بعد أن تستكمل "وينداوز" مهمّاتها الخاصّة التي لم ولن أدرك الجدوى منها..
ولكن كلّ شيء توقف فجأة بعد ظهور الأيقونات.. لتظهر نافذة تنبيه مكتوب فيها:
System Error.. ولما حاولتُ إغلاقها ظهرت أربع شاشات اخرى بنفس التنبيه!
لاحظتُ بعد قليل أن بعض البرامج المثبتة في الجهاز اختفت.. استنجدتُ بالأمريكي الذي لا مناص منه عند الأزمات: مضادّ الفيروسات "نورتن"..
وبعد مسح شامل ودقيق –والعهدة عليه- لكلّ الجهاز، كانت النتيجة: لا توجد فيروسات في هذا الجهاز..
ولكنني متأكد أنّ جهازي مُصاب بفيروس ما.. وإلاّ ما تفسير اللخبطة الرهيبة التي طالت كل البرامج والصور والموسيقى والأفلام المحفوظة فيه..
قالت لي فاطمة التي كانت تتابع أخبار الوطنية:
- "إنّ جهاز التلفزيون أيضا قد "تفرْيس".. فهم يقولون إن رئيس حركة النهضة استُقبِل بالتصفيق الحار في اجتماع مؤتمر النداء"!
ولأنّ الأخبار "المُفرْيسة " تأتي دفعة واحدة.. فقد أعلمني محمد الصالح، صديقي، بالهاتف أن رابح الماجري، الزلم الذي كان يشتغل مخبرا يطارد الصحافيين في عهد المخلوع قد "تفرْيس" أيضا.. وشارك في مظاهرة ضدّ الحكومة الرّشيدة للمطالبة بحرية الصحافة.. كما "تفرْيس" صالح العيّاري الذي ادّعى أنه يملك دليلا ماديّا على قرب انتهاء الساعة وتَرَك الخمر والميسر وأصبح يقوم الليل ويصوم يومين في الأسبوع !
أما جارتنا خديجة فقد أقامت قضية استعجالية تطالب فيها المحكمة بإثبات أنّ نسبها متصل بالعائلة الحسينية.. آخر العائلات المالكة في البلد.. بعد أن تفطنت أن جدّتها اشتغلت خادمة في قصر الأمين باي!
"إسرائيل وحدها غير قابلة "للفرْيسة".. قال لي أبو ماجد الحلاق.. وإلاّ كانت اعترفت بأنّ الفلسطيني إنسان!
أما صديقي "علي اللومي"، الذي لم ينبس ببنت شفة منذ ظهر الفيروس الرهيب وظلّ غارقا في تفكير عميق طيلة الوقت، فقد علّق بعد أن تنحنح وحكّ رأسه بسبابته: "ماذا لو "تتفريس" حكوماتنا الرّشيدة وتعترف لمرة واحدة أنّنا مواطنون"..
قالها وعيناه تشيان أنه ينتظر تعليقا مني.. وجاء تعليقي سريعا.. طلبتُ قلما وورقة.. وكتبتُ له:
System Error
ومازلتُ إلى اليوم أجهل.. إن كان "علي اللومي" قد فهم عني..