الذين يدركون دلالة حضور المرأة في إدارة الشّأن العامّ وأثره على تطوّر المجتمع والوعي العامّ يترصّدون كلّ بروز إيجابيّ وبنّاء للنّساء وينظرون إليه باهتمام وتقدير ، ليس بالضّرورة من منطلق نسويّ كفاحيّ على طريقة الفيمينيزم البوفواري ، بل من منطلق سوسيولوجي حضاريّ يدرك أنّ نهضة الشّعوب لا يمكن أن تتحقّق بغياب دور للنّساء في إدارة شأنه العامّ سواء كان هذا الغياب لضعف الأهليّة المكتسبة أو لضعف وعي المجتمع الذّكوري بدورها،
لكن قد يصادف أن يكون هذا البروز انتكاسيّا من خلال ظهور فجّ مبتذل عكس مسار التّاريخ بعناوين استحماريّة مضلّلة ونبرة صلف وغوغائيّة ، مع جوقة فلكلوريّة بائسة طبل وزمر وبخور وزغاريد تذكّر بزمن العبوديّة النّوفمبريّة وعكاظيات قافلة تسير، امرأة تتحدّى الجميع تستمدّ قوّتها من عناد أعمى ونرجسيّة مريضة ، فضلا عن شبهات دعم خارجي.
وصلت الصّورة الفلكلوريّة المسيئة للثورة التّونسيّة حدّ نظم قصيدة مدح تتغزّل بشعرها الحرير و حملها الكبير وعرقوبها عرقوب الخير مع دمج لاسمها مع اسم تونس بصيغة نداء واستغاثة هجينة ترفعها لمرتبة المخلّص ، وربط متعسّف بين تونس الحرّة المتحفّزة لنفض تركة الماضي ونوّار الدّفلة وعبيره المنفّر.
قطعا ليست من نساء بلادي نساء بلادي نساء ونصف لأنّها نموذج سيّء لإحياء ماضي الدّكتاوريّة والعبوديّة والاستحمار ونشر الأحقاد والتّباغض والفتن الاجتماعية، هي ظاهرة فلكلوريّة متحفيّة مهما بدت قويّة وذات مشروعيّة بين أنصارها ، تعبّر عن حالة ارتداديّة شهدتها كلّ الثورات تنتعش في سياقات تعثّر الانتقال وصعوبات مخاض البناء.
لكنّها إلى زوال بمجرّد استقرار منظومة الثورة ومؤسساتها وانتظامها السياسي وخياراتها التنمويّة ، وستبقى في تشنّجات الشّطح والرّدح إلى حين تحقّق ذلك ، وجودها وغيابها التلقائي مؤشّر من مؤشّرات تقدّم المسار الانتقالي ورسوّه في برّ الأمان.