الاستثمار الخارجي في تونس،ورقة في يد السماسرة الأجانب وبقرار حكومي

Photo

لقد ازدادت أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر خاصة بالنسبة لتونس بعد سقوط النظام في 14 جانفي 2011، حيث اصبحت الحكومات التي تعاقبت بعد الثورة،ترى فيه أفضل أداة اقتصادية على المدى المتوسط و البعيد ،ايمانا منها بالدور الفعال للاستثمار الخارجي في تحقيق التنمية المستهدفة والقابلة للاستمرار من خلال رفع معدلات نمو الناتج لوطني الخام و خلق فرص العملž و نقل التكنولوجيا الحديثةž و توريث نظم التسيير المتقدمةž و الارتقاء بأداء العنصر البشريž وتحفيز النشاط التصديري ودعم القدرات التنافسية.

حيث قامت تونس بتشخيص المنظومة التشريعية لغاية الوقوف على النقائص التي حالت سببا في عدم دفع الاستثمارات الخارجية، بالرغم من ان البلاد لا توال تعيش الى تاريخ الساعة حالة من عدم الاستقرار السياسي و الامني مع انفلات النقابات في جميع القطاعات الاقتصادية و هو ما من شانه ان يحد من مجهودات الدولة التشريعية لتامين مناخ الاستثمار من خلال قوانين المالية و قانون 22 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال و قانون الشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص مع اقتراح مشروع جديدة لمجلة الاستثمار من شانه ان يأخذ بعين الاعتبار الوضعية الاقتصادية التونسية،لا يزال متعثر الى تاريخ الساعة.

هذا و لئن بادرت وزارة الاستثمار و التعاون الدولي في شخص وزيرها السيد ياسين ابراهيم الى تسويق صورة مشرفة للبلاد التونسية من خلال التعاقد مع بنك لازار، لغاية تزويقها بطلاء مواد التجميل النسائية حتي تصبح وجهة لعديد من المستثمرين في قطاع الخدمات و التكنولوجيات الحديثة فان معالي الوزير بالرغم من الصور التي اكتسحت موقع الواب الخاص بالوزارة لم يفهم ان استجلاب الاستثمارات الخارجية لا يكمن في التزويق و التجميل، لأنها غير قادرة على حجب الصورة الحقيقة للبلاد في باب تنامي نسب البطالة ،ارتفاع تكاليف الطاقة ،البيروقراطية المجحفة في التعامل مع المستثمرين الاجانب،عدم سيطرة الحكومات على النسق المتصاعد للإضرابات، ارتفاع عدد الشركات الوطنية و ذات المساهمات الاجنبية التي خيرت الانضواء تحت القانون عدد 34 لسنة 1995مؤرخ في 17 أفريل1995يتعلق بإنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية و النصوص المتممة و المنقحة، تدني مؤشر نجاعة الخدمات العمومية، غياب الاستقرار السياسي و الامني بالبلاد من خلال تنامي الصراع السياسي الحزبي،و ارتفاع الاعلانات عن حالة الطوارئ و كثرة العمليات الارهابية التي اصبحت تستهدف المدنيين و الاجانب في مناطق عمرانية بعد تولي حكومة الصيد مقاليد تسيير البلاد،…

فكم يلزم تونس من كميات مواد تجميل لحجب ما سبق ذكره على المستثمرين الاجانب أو انه من الاحرى ان يتم جلب مستثمرين مكفوفين او ممن يحبذون تبييض اموالهم ؟

و منذ حكومة السيد حمادي الجبالي الى تاريخ حكومة الحبيب الصيد توافد العديد من المستثمرين الاجانب على تونس بملفات استثمارية ضخمة اغلبها ملفات خليجية و اوروبية، كانت قد وضعت امكانيات مالية ضخمة لصالح تونس، موكدة صلب الدراسات الاولية المقترحة ذات المردودية العالية النظرية ،على دور هاته الاستثمارات في التقليص من البطالة من خلال خلق مواطن شغل، و الترفيع في الناتج الوطني الخام مع تدعيم القدرة التنافسية للبلاد و تحسين مردود القطاعات الاقتصادية، وقد نذكر في هذا السياق مشروع تونس المدينة الاقتصادية economic Tunisia city و مشروع المرفأ المالي Financial Harbour و مشروع مدينة الالعاب ببوفيشة Tunisia leisure complexe و مشروع المدينة الذكية smart village ،...لكن هاته المشاريع فضلا على ان الدراسات الاولية توحي نظريا بمردودية عالية فإنها تمكن اصحاب القرار الحكومي من خلال عروض التقديم المعدة بنظام الابعاد الخماسية 5d من الحلم ،و السوال الذي يطرح في هذا المجال لمذا لا يزال المستثمرون الاجانب يتوافدون على تونس بالرغم من مظاهر عدم استقرار المناخ الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي ،ام انهم اكتشفوا ان الحكومة غير قادرة على التدقيق في دراسات الجدوى علميا و بالتالي تمكين المستثمرين الاجانب من التشجيعات الجبائية و الامتيازات و الاراضي الدولية بالدينار الرمزي لإقامة المشروع عليها دون تمحيص مسبق ؟

تبعا لما سبق بيانه،تجدر الإشارة الى التذكير أن، اتخاذ القرار على المستوى الحكومي بالمصادقة على تنفيذ مشروع استثماري مقترح من قبل اجانب مهما كان نوعه ،لابد ان يخضع لمجموعة من التحليلات و التقديرات ،تتأخذ بعين الاعتبار ما يلي:

- ان يعتمد قرار الموافقة على الاستثمار على اسس علمية ،من خلال تحديد الهدف الأساسي من الاستثمار و تجميع البيانات و المعلومات اللازمة حول المجموعات الاستثمارية العارضة للمشروع علاوة على التدقيق في العائدات المتوقعة من هاته المشاريع و تقييم مردودها على باقي المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية .

- دراسة طلبات المستثمرين الاجانب في مقابل تنشيط الدورة الاقتصادية و المتمثلة عادة في بعض الامتيازات الجبائية و تسهيلات على مستوى نظام الصرف،او التحوز بارض تابعة للمخزون الدولة العقاري بالدينار الرمزي او بمقابل زهيد ...

علاوة على ما سبق ذكره وجب على الحكومة أن تتقن دراسات الجدوى وهي تلك السلسلة المترابطة و المتكاملة من الاساليب العلمية ، ذلك انها تساعد في تحقيق التخصيص الكفء للموارد الاقتصادية التي تتصف بندرة اقتصادية من خلال تحديد الفرض الاستثمارية المتاحة على مستوى الاقتصاد الوطني ثم التوصل الى ترتيب هذه الفرض تبعا لأهميتها و اولويتها مع تقدير القيمة الحقيقة لحجك الامتيازات المزمع منحها للمستثمرين الاجانب ،من جهة و من جهة اخرى حتى يتسنى لها خلال النقاشات المتعلقة بدراسة هاته المشاريع بإبداء التحفظات و المطالبة بالضمانات المالية المستوجبة ، و اقتران الموافقة الاولية برفع التحفظات او بتوفير الضمانات.

وقد عهد الى اللجنة العليا للاستثمار المحدثة بموجب أحكام الأمر عدد 2542 لسنة 1993 المؤرخ في 27 ديسمبر 1993،مهمة دراسة المشاريع الكبرى و ابداء الراي في مردوديتها و تقييم طلبات المستثمرين و شروطهم سواء من خلال تركيز مشاريع كبرى او استغلال مشاريع على ملك الدولة من خلال منظومة اللزمات ،و في إطار التقليص من الآجال و توسيع صلاحيات اللجنة المذكورة، فقد تولت الحكومة السابقة لحكومة الصيد بتنقيح الأمر الأنف الذكر، بموجب أحكام الأمر عدد 3629 لسنة 2014 مؤرخ في 18 سبتمبر 2014 يتعلق بضبط تركيبة اللجنة العليا للاستثمار ومشمولاتها وتنظيمها وطرق سيرها، حيث اقترن قرارها بنتائج تحليل جدوى المشاريع المعروضة عليها مما كلف العديد من الملفات العديد من التحفظات و المطالبة بالضمانات المالية، لغاية ازاحة السماسرة الاجانب الذين يتولون بيع فكرة المشروع بمجرد التحوز بقرار مصادقة الحكومة التونسية.

لكن ما أثار استغرابي، هو تعمد الرئيس الجديد للجنة العليا للاستثمار، التي عادة ما يتراسها رئيس الحكومة أو من ينوبه في رتبة وزير، رفع جميع التحفظات و التخفيض في قيمة الضمانات او في بعض الاحيان الغائها تماما، متجاهلا في ذلك مبدأ استمرارية الدولة و تواصل التعهدات الحكومية، ضاربا بعرض الحائط التقنيات الفنية في تحليل جدوى المشاريع الاستثمارية، مومنا عن جهل دخول سماسرة الاستثمار لتونس من الباب الكبير، فالسياسة ليست اعلام و صور و تصريحات جوفاء، بل السياسة هي البداهة و الحكمة في التدبير و تسيير شؤون الدولة مع مراعاة نقاط القوى و الضعف في تفس الوقت لخدمة الوطن لا لغاية خدمة صورة السياسي أو تركيبها بصفة ابداعية خيالية في عقلية الناخب.


Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات