هل انّ ما حدث في تونس ثورة ام انتفاضة؟

Photo

إنّ مفهومَ الثّورة عند الغرب مستعار من دورة الكواكب حول نفسها (one complete circular movement of some thing ) لكنّه عند العرب مستعار من الظّواهر الطبيعة والسلوك الانفعالي للإنسان)ثار الشيء أي هاج ، ويقال للغضبان أهيج ،الثورة هي الهَيْج).

فَمفهوم الثورة عند عامّة العرب هو وصف للتمرد الفردي أو الجمعي الانفعالي اليائس غير الحامل لأي مشروع إيجابي أو أمل في مستقبل أفضل. وعند الغرب تعني كلمة ثورة أيضًا :تغيّر مهم جدًّا في طريقة تعاطي الشعب مع الأشياء :

(a very important change in the way that people do things)

يصف العرب هيجان البركان "بثورة البركان"، لكن الغرب يدعو ذلك ب " volcanic eruption" و ليس volcanic revolution أعتقدُ انّ مفهوم الثورة على لسان العرب مرتبط بالسلبيات و بالتّدمير و هو مفهوم ينفّر من الأفعال الثورية و يجعلها مَذمومة، و لنلاحظ هنا انّ حتّى المصطلحات و المعاجم "صُنعت على عين الديكتاتورية"! انّي أرى انّ الثورة هي الشيء النّاتج عن فعل مادي أو معنوي (كالكتابات، الاحتجاجات الفردية او الجماعية(لفرد أو مجموعة يترتّب عنه نشأة فكر جديد و إلغاء أو تطوير فكر قديم، كأن يترتّب عن فِعلٍ ما إلغاء مفهوم الخوف و الرّهبة من الحاكم (إسقاط هيبة الحاكم بكيفية لا رجعة فيها) و هو ما يمكن اعتباره " كسر حاجز الخوف".

فإذا عاد الشعب إلى الرّهبة من الحاكم بعد زمن و ان كان طويلا فانّ ما قام به ليس بثورة بل مجرّد انتفاضة محدودة الزّمن. يبقى السؤال الجوهري هو الآتي : هل انّ ماحدث في تونس منذ 17 ديسمبر 2010 يمثّل ثورة أمْ مجرّد انتفاضة؟

حسب تقديري، كلٌّ المؤشرات تفيد بأنّه وقعت ثورة حقيقية في تونس نتجت عن فعل "احراق محمد البوعزيزي لنفسه" فترتّب عن ذلك سقوط "هيبة الديكتاتور" إلى غير رجعة، لذلك نجد جماعة الثورة المضادّة (و كبيرهم الذي علّمهم السّحر) يردّدون أغنية "إرجاع هيبة الدّولة"، هذه الاغنية هي مفتاح عودة الديكتاتورية. انّ الفرق بين ما حدث بعد السابع عشر من ديسمبر 2010 و ما شهدته تونس سواءا في "انتفاضة الخبز 1984 " أو يوم " الإضراب العام للاتحاد العام التونسي للشغل 26 جانفي 1978" يتمثّل في كسر حاجز الخوف بصفة فعلية بينما انكمش و تقوقع الشعب في حاوية خوفه بعد محاولة كسرها في المناسبات الأخرى من الانتفاضات.

و هذا شيء طبيعي إذْ انّه لا يمكن أن تحدث ثورة بدون انتفاضات تسبقها (إذْ انّ الثورة فِعلٌ تراكمي(. يبقى أن أنوّه إلى شيئين مهمّين:

• لنجاح الفعل الثوري، لا بُدّ من مواجهة مباشرة مع النظام القديم (و الدّولة العميقة) وهو شيء تجنّبته القوى الثورية أو اجّلته ... و لكنّه حتمي .. فالنظام لم يسقط في تونس .. لن يجدي التوافق و لا "التّكتيك" ... لا بدّ من الحسم الثّوري.

• لا بدّ من التّنظير للثورة: كتابات في كلّ مجالات المعرفة.. في الفلسفة، و علم الاجتماع و كلّ العلوم السياسية مع كامل الانحياز إلى صفّ الثورة.

و أخيرا أنا لست من أنصار الاحتفال بيوم الرّابع عشر من جانفي لأنّي أعتبره يوم الانطلاق الفعلي للثورة المضادّة. لكنّني واثق من انتصار الثورة … سننتصر أو ننتصر.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات