في حمّى الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 2019، ستبقى الوثيقة الأهم من زاوية تاريخية هي الحوار الذي أجري مع سليم الرياحي. وتكمن أهميته فيما تضمنه من معطيات حول علاقته بيوسف الشاهد، وللتدليل على صحة ما قاله استظهر بما تبادلاه من إرساليات وعَدَه فيها بإعفائه من قضايا عالقة أمام القضاء. وهو ما يعتبر في حد ذاته فسادا يجب أن يُساءلا عليه.
والأخطر من ذلك هو ما كشفه الرياحي عن وقوف شفيق جراية وراء اقتراح تسمية الشاهد رئيسا للحكومة. وهو ما جعلنا نكتشف الماسك بمفتاح المنظومة كلها في تلك الفترة أو ما يمكن اعتباره سيدها الفعلي، أحد رؤوس الفساد، وحيث أن البقية مجرد خدم أو ألاعيب من حيث لا يشعرون ولا يعلمون.
في ذلك الاجتماع القرطاجي، حضر الجميع أحزابا ومنظمات وقادتها، ولم تكن لشفيق الجراية أية صفة للحضور بينهم، كان في مقام المسؤول الكبير، ويكفيه أن يكون رئيس القوم ناطقا باقتراحه، يفاجئهم به، ثم يجد من بينهم من يدعّمه بمحض إرادته مثلما فعل سليم الرياحي نفسه، ويحاجج المترددين حتى يقتنع الآخرون به شيئا فشيئا، ويمرّ مقترح الرئيس. هههه.
دعنا من كل ما قيل حول علاقة شفيق الجراية بنواب في البرلمان، وما أهداه لهم ولغيرهم من شقق والأكيد أشياء أخرى لم يقع كشفها. والأكيد أن ذلك كان وراء الإقناع بما اقترحه في ذلك الاجتماع، وهو ما يذكر بما قاله حول كلابه وكلاب كمال اللطيف.
وإذ لم يعلق يوسف الشاهد في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث على كلام الرياحي، فلن يكون لتعليقه بعد ذلك -إن جاء- أي معنى، وكيف يمكنه ذلك وإرسالياته إليه لا يمكن دحضها، بما فيها طمأنته "مريقل"، خاصة وأن المترشح الفار يعترف بتورطه هو أيضا في الموضوع.
هو يريد أن يقول إن الشاهد لا يعترف بالجميل وأنه مُخلف بوعوده، ونحن نفهم أن الأمر أخطر من ذلك. وفي الأثناء نفهم تماما أن سجن شفيق الجراية لم يكن الهدف منه محاربة الفساد كما قيل في البداية وقد زاد الأمر استشراء بعد ذلك، وإنما لدفن تلك الحقيقة التي كشف عنها سليم الرياحي والتي لها طعم المرارة في حلوقنا، ليس لأن لنا علاقة بأي طرف في الموضوع، وإنما باعتبارنا مواطنين في هذه البلاد التي لا نرضى أن يتحكم فيها الفاسدون.