دافعوا عن مرشّحيكم وتوحّدوا ولو بعد الإنتخابات وحصّنوا الشّعب !
كثرت في الأيّام الأخيرة الدّعوات الى التّصويت المفيد ، و هي صادرة امّا عن خائفين من ضياع الأصوات سدى وامّا عن باحثين عن تسديد خدمات لبعض المترشحين طمعا في مناصب و امّا عن صادقين ولكن غير واعين ربّما بالمسألة ان كانوا فعلا ممّن يبحث عن مصلحة البلاد في الانتقال الى جمهورية مدنية ديمقراطية اجتماعية فعلا كما يدّعي الجميع التزاما بالدستور نفسه.
انّ التّصويت المفيد الآن ومنذ الدّور الأوّل للإنتخابات الرّئاسيّة لن يستفيد منه سوى من هو في المراتب الأولى في عمليات سبرالآراء المشكوك في غالبيّتها . وهو حرمانٌ للمترشّح الضّعيف الآن من حقه في نيل أصوات مناصريه و تجميدٌ للحياة السياسية بحصر التّنافس فيها بين من يتصدّرون المشهد الآن ممّا لا يخدم سوى الأقوياء من المترشّحين والأحزاب .
وهؤلاء الأقوياء اليوم لا يعترفون لا لمن يشبههم ولا لمن يخالفهم بحقّ الأوّل (و هو من عائلتهم السياسية) في أن يصبح قويّا غدا و يتقدّمهم والثّاني ( و هو من معارضيهم) في أن يصبح قويّا غدا و يهزمهم .
إنّ أنصار مورو والزبيدي والشّاهد مثلا قد يتلاعبون حتّى بسبر الآراء ، و حتما سيلعبون على تخويف المترشّحين والنّاخبين بفرضيّات محدّدة تظهر مرشّحيهم في حاجة إلى أصوات أنصار بعض منافسيهم المتوسّطين والصّغار الآن تحديدا لضمان المرور إلى الدّور الثاني مع تعمّد تقديم أسوأ الفرضيّات عن المرشّح المنافس المحتمل كما يلي: يضع أنصار الزبيدي (أو الشاهد) آحمتال مرور القروي ومورو إلى الدور الثاني إن لم يتم التصويت المفيد إلى الزبيدي (أو الشاهد) ، و يضع أنصار مورو ٱحتمال مرور القروي والزبيدي إن لم يقع التصويت المفيد له . وهذا الأمر سيعني ليس فقط إخافة المترشحين المتوسطين والصّغار و ناخبيهم بل وابتزازهم ، وقد يصل الأمر إلى تخوينهم خاصّة عند الإنهزام.
ولكن ، ويا للمفارقة ،أثبتت التجربة أنّ كلّ هؤلاء مستعدّون للتحالف الحكومي خارج أيّ دائرة مبدئيّة - لا يملكونها أصلا - بما يعني أن لا أحد منهم عدوّ ثابت للآخر بل هو مجرّد منافس له على الكرسي و مستعد أن يعقد معه كلّ الصّفقات ليس فقط على ظهر النّاخبين و الضّعفاء من باقي الأحزاب بل و على ظهر الضّعفاء من قادة حزبه هو نفسه والضعفاء من عموم الأعضاء داخله مهما كان عددهم.
إنّ مورو و الشاهد متحالفان حكوميّا منذ مدّة بعدما كان مورو متحالفا مع السبسي الأب الذي خدمه القروي والرّياحي والشاهد معا . وإن الزّبيدي - المرشّح المستقلّ ظاهرا- خدم مع الجميع بما في ذلك بن علي ، ولم يسمع عنه يوما نقد لأيّ شيء ولأيّ كان قبل ترشحه للرّئاسة باسناد من قبل حزبي نداء تونس وآفاق تونس اللّذين تقاطعا مع كلّ خصومهما السياسيين الذين لهم مرشّحون منافسون للزّبيدي الآن . هذا من ناحية المترشّحين وأحزابهم.
من ناحية ثانية ، يقدّم الداعون إلى التّصويت المفيد للزّبيدي المسألة وكأنّها مسألة صراع حياة أو موت مع الإسلام السياسي والمافيا معا في حالة مرور مورو والقروي. في المقابل ، يقدّم أنصار مورو المسألة وكأنّها مسألة صراع حياة أو موت مع المافيا والإستئصاليين في صورة مرور القروي و مترشح آخر غير مورو ، والحال كون المافيا ( ربّما الإيطاليّة فقط ) ليست بعيدة عن نداء تونس الحالي ـ شق السّبسي الإبن ـ والقروي نفسه ( المتعامل مع برلسكوني ...) كان قريبا من والده ومن شقّ من حزبه ـ و هو( حافظ ) صديق لتركيا ولقطر وله إقامة في قطرصديقة النّهضة .
كما أنّه من الناحية المقابلة توجد علاقات لمورو والنّهضة برجال أعمال كبار سليلي التّجمّع . ولا ننسى كون اجتماع الشيخين الغنوشي والسبسي الأب في باريس كان بتنظيم رجل الأعمال سليم الرّياحي ذي العلاقات الإيطالية ـ الفرنسية ـ البريطانيّة الكبرى . هذا إضافة طبعا إلى ما يروج عن مال تركي وقطري لابدّ أن يكون تطوّر كثيرا مع تطوّر المعاملات التجاريّة التركية ـ التونسية غيرالمتكافئة وتراكم بأيدي رجال أعمال قريبين من النّهضة .أمّا مسألة الإستئصال فلم تعد تقنع أحدا تقريبا خاصّة عندما ترتبط بمنافس كالزّبيدي تحديدا وهو إلى ذلك مسنود من قبل حزب حافظ قائد السبسي نفسه و حزب آفاق تونس الذي لم تبد عنه أيّة نزعة إستئصالية للإسلاميين منذ ظهوره و لا يمكنه فعلها حتى لو أراد بسبب حجمه،الخ.
وهكذا، يتحوّل التّصويت المفيد بين مترشّحين و أحزاب أقوياء مستعدّين للتحالف مع الشيطان من أجل الوصول الى الحكم مجرّد لعبة هدفها استثمار صوت النّاخب على موقع أفضل مع نفس المنافس (الرئاسي) - اليوم - الذي قد يصبح حليفا بعد ظهور النتائج (التشريعيّة) - غدا- و لكنّه قُدّم إلى المرشّح الضّعيف المنافس و ناخبيه عمدا ليس كحليف محتمل ولا حتّى كخصم يمكن التعايش معه بل كعدوّ في لعبة حياة أو موت و الكلّ يعلم كون اللعبة بكاملها لا يتحكّم في قواعدها القصوى في تونس أصلا بل ما وراء الحدود ، فجميعهم لا استقلال لقرآرته الكبرى في خصوص كلّ من العلاقة بالفساد والمافيا و بالمشروع المجتمعي 'التمكيني ' كما ' الإستئصالي ' عن ... ' معلّمه الأكبر ' ومناوليه الإقليمييّن الصّغار.
و بسبب تقديم الرّئاسيّة على التشريعيّة بعد وفاة الرّئيس السّابق ، ستتواصل الدّعوة إلى التّصويت المفيد في التشريعيّة هي الأخرى بدعوى الموازنة مع الخصم المحتمل آنتصاره في الدّور الثاني من الرّئاسيّة أو القضاء عليه نهائيّا باسم 'الثورة ' ( أنصار مورو ... لو مرّ ) أو باسم 'الدّولة ' ( أنصار الزّبيدي والشاهد ... ) في حين كونهم جميعا يشكّلون مشاريع هجينة لا علاقة لها لا بالثورة ولا بالدّولة...الدّيمقراطيّتين .
ومع الأسف ـ بسبب الإنقسامات بين اليساريين والوسطيين الدّيمقراطيين الإجتماعيين وضعفهم ،و أمام ضعف حظوظ مرشّحيهم في الرّئاسية ـ من المرجّح أن يصل الشّعب إلى وضعية تشبه الإختيار بين الكوليرا و الطّاعون في الدّور الثاني ، ولنفس السّبب ستتشتت الأصوات في التشريعيّة أيضا.
ولن ينقذ من ذلك سوى مزيد التمسّك بحظوظ المترشّحين من اليسار والوسط للرّئاسة ليس لايصالهم اليها بل كي لا يؤثّر ذلك على أحزابهم و جبهاتهم المتفرّقة في التشريعيّات عساهم يصلون إلى تكوين كتلة برلمانيّة محترمة و يعودون إلى التنسيق النّضالي خارج البرلمان ـ بما في ذلك مع مقاطعي الإنتخابات ـ وذلك بتأمين وحدة ونضالية الأحزاب و الجبهات والمنظّمات والجمعيّات داخل المجتمع المدني في آنتظار عودة الوعي السياسي القيادي و القاعدي يسآرا ووسطا لتشكيل أوسع تحالف سياسي ديمقراطي إجتماعي ممكن يشكّل بديلا عن كلّ من حكموا تونس قبل 2011 وبعدها برسم ملامح قوة ثالثة حقيقيّة تختلف عن كلّ أصناف اليمين السياسي.
في آنتظار ذلك و قد حصل ما حصل من فرقة ـ إن لم يتنازل أحد لغيره داخل اليساروالوسط الآن ـ أقول :
دافعوا عن مرشّحيكم للرئاسة وصوّتوا لهم ، فهذا التّصويت مفيد أيضا للضعفاء يسارا ووسطا لبناء المستقبل ، وليس قدرا ألاّ يكون التّصويت المفيد إلاّ للأقوياء يمينا . ولكن بعد الإنتخابت فورا اجلسوا وتحاوروا و نسّقوا على الأقلّ إن لم تتّحدوا و حصّنوا الشّعب و أحزابه وجبهاته و منظّماته وجمعياته لمواجهة القادم من السّنوات العجاف .
انّه من حقّ منجي الرّحوي و حمّة الهمّامي و عبيد البريكي و الصافي سعيد و محمّد عبّو ( وهم من يعنونني دون غيرهم مع اختلاف درجة الاقتراب/الابتعاد عنهم) أن ينالوا أصوات مناصريهم للبناء عليها مستقبلا و دعما لأحزابهم وجبهاتهم التي يمكن أن تتقاطع بدرجات وأشكال مختلفة و لكن متمايزة بهذه الدرجة أو تلك مع اليمين .بل ان المترشّح قيس سعيد و عدد من أنصاره يمكن أن يدرجوا ضمن هذا التيار العام الجمهوري اليساري - الوسطي ولكن استقلاله الحزبي يعقّد مسألة الحكم عليه .
انّ حزب الجبهة وائتلاف الجبهة و الائتلاف الديمقراطي الاجتماعي و حركة الشعب و التيار الديمقراطي و عدد من المستقلّين هم من يهمّونني من أجل بناء مستقبل سيتطلب مراجعات هنا و تقاطعات هناك و غيره من أجل توحيد واسع لتياري اليسار والوسط دفاعا عن تونس الجديدة .
واذا كان لا بدّ من كلمتين أخيرتين هنا لدعاة التصويت المفيد الآن فلا يجب أن توجّها الى قوى اليمين التي ذكرناها أعلاه ، بل الى بعض المناضلين و المثقفين المحسوبين على اليسار والوسط و الى عموم المناضلين .
الى القادة و المثقفين يسارا و وسطا ،
” قلها وعش“ بل وافعلها والاّ فستجد نفسك في نفس الوضعية بعد خمس سنوات أيضا و ربّما الى الأبد ان لم تكسر هذه الحلقة . ودافعوا عن حظوظ مرشّحيكم حتى لا يقال عنكم كما قال الشّاعر الجبان :
" في الهيجاء ما جرّبت نفسي... ولكن في الهزيمة كالغزال " !
والى عموم المناضلين هنا و هناك ، لا تستهينوا بصوتكم مهما قيل لكم فهو أشبه بخفقان جناحي الفراش.
و"أثر الفراش" الذي أنتموه الآن هنا على ضعفه سيساهم في اعادة التوازن البيئي (السّياسي) لتونس بل وللعالم كلّه لو تدرون !