هل نحن الآن إزاء دولة ما من دور لها سوى أن تتحوّل إلى معبد؟ هل هؤلاء أعضاء الحكومة في خدمة الشعب فعلا أم إنّهم مجرّد كهنة جدد؟ وهل نحن أبناء هذه البلاد محض عبيد في سديم هذا الغبار الوطني؟ لماذا إلى حدّ اللحظة لم نخرج من سياقات التجويع والتشريد؟ ألا يمكن أن نشبّه هؤلاء حفاري القبور بكهنة آمون؟ أولئك الذين لا دور لهم سوى الجشع، سوى أن تنتفخ بطونهم، سوى أن يدّعوا أنّهم الأجدر في كلّ شيء؟ وهل نحن بذلك أنبياء جدد علينا تخريب السائد من الخراب الحاليّ في هذا الوطن؟ إلى أين نتجه بغضبنا حتى لا نكون سيزيفيين؟ وهل علينا أن نكون طرواديين ككلّ مرّة نسقط حكومة فتفري عظامنا الحكومة التي تليها؟ ألا يكون قدرنا بهذا الشكل مجرّد بوعزيزيين جدد لا دور لنا غير اشعال الحرائق في القمم، حتى إذا ما عاد الرماد في الريح أعميت أبصارنا؟
يبدو أن مليون سؤال من هذه الجراحات آن أوان نهايتها، فمشهد الغضب المبين يتحرك الآن في صفائح تدين الدولة لا الحكومة فقط، وتدين أيضا ذلك الاحتياطي من الانتهازيين من الذين يتربصون هم الآخرين بالسلطة، وإنّه لمن الواضح أن أيّ قرار تتخذه حكومة آكلي لحم الشهداء، الآن، بخصوص التشغيل والتنمية لجهة ما من الجهات المحرومة، لا يمكن أن يمثّل الا وجها من وجوه إدانتها في حدّ ذاتها، كما أن العدوى، وهذا أمر جتميّ، ستصيب بقية الجهات، وهو ما سيجعل من شروخها تزداد، إذ لا بديل لها غير القمع.
علاوة على ذلك، لا يمكن مطلقا مهادنتها، بوصفها امتداد الجناحين للطائر الدمويّ، هو الآخر بوصفه من حفاري القبور الممتدّة خياراته من الوجه الكولونيالي مجوّع الشعوب.
في المقابل، يبدو أن المهمشين والمعطلين عن العمل، تعلّموا جيّدا من تجربتهم الحيّة إزاء عنف الدولة ومواجهتهم له، فبعد النضال البافلوفي أو التدميري للذات كحرق الأجساد أو الانحراف في عالم الجريمة أو تعاطي الأفيون كوسيلة لتحقيق الأتراكسيا أو الانخراط صلب التيّارات الظلامية، صاروا اليوم أشدّ وعيا خاصة وأنّهم الآن يهاجمون عدوّهم مباشرة وفي مقرّات سيادته.
لا مناص إذن من المواجهة، ومهما كانت حلول التهدئة، وحتى وإن تمّ اخماد صوت الرّافضين، فحتما ثمّة جراحات في المستقبل من شأنها أن تقلب المعادلة في مشهد جنائزيّ تكون الحكومة أوّل ضحاياه، سقوطا أو عارا أبديا يلحقها.
ثمّة من يسأل كثيرا هذه الأيام عن البديل، بدافع العجز أو الرعب بعد أن اصطكّت أسنانه، ولكن يبدو أن تكرار أسئلته سيجعل من الاجابة أشدّ عنفا.
ما البديل؟
سؤال اللص كي يموقع كل مجريات الأحداث في معادلة يختارها ومن يلعب معه أو ضده في مربع يرفضه الثوار.
ما البديل؟
سؤال الانتهازي كي يخذل الممكن باسم استحالة تقويض المستحيل.
ما البديل؟
سؤال الواقعي كي يرتد بالديالكتيك الى حدوده الهيقلية.
ما البديل؟
سؤال من أوقع نفسه في تخوم القاع كي يرى العالم بعين واحدة مثله مثل سيكلوب.
ما البديل؟
سؤال من فقد بكارته الثورية فكان مريبا يكاد يقول خذوني.
ما البديل؟
سؤال العاجزين على مواصلة الهدم تجاه المتمسّكين بضرورة اشعال الحرائق في القمم.
ما البديل؟
ولكم الاجابة؛
ان نذبحكم جميعا قبل هدم قلاع التيتانات الغاصبة، ذلك انكم أشدّ غدرا منهم.
سلاما وملحا في عيونكم.